نحن نجتاز موقفًا تعثرت الآراء فيه وعثرة الرأي تردٍ فقفوا فيه وقفة الحزم وارسوا جانبيه بعزمة المستعد بعد اجتياح الثورات لبعض أقطارنا العربية وبمرورها كزلزال مدمر، هزَّ كثيرًا من الثوابت التي كانت تعيش عليها أقطارنا العربية، وهذا يظهر أننا في حاجة ماسة إلى وضع العلاج لما نمر به من أزمات. وكعادة الجامعات داخل العالم فإننا نفتش في أوراقنا العلمية، ونحاول أن نجد الحلول من خلال المنهج العلمي، ومن تراثنا الإسلامي المليء بالتجارب والعبرات التي تساعدنا على الخروج من المأزق، كما أننا نحتاج إلى أن تتعاون الجامعات الإسلامية في توصيف الداء ووضع العلاج لمشكلاتنا وأزماتنا الطاحنة التي نمر بها الآن. ولاشك أننا نجد في التاريخ الإسلامي الكثير من الأفكار والتجارب التي تساعدنا على تجاوز الأزمات؛ ففي السنة الأولى للهجرة عندما هاجر الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينةالمنورة جمع الناس على اختلاف معتقداتهم (المسلمين وأهل الكتاب والوثنيين) ودعاهم للتصديق على وثيقة مهمة من وثائق التاريخ الإسلامي، وهي ما يطلق عليها (الصحيفة) أو وثيقة (إنشاء الدولة الإسلامية).. وترينا هذه الوثيقة كيفية إنشاء الدول وإقامة العقد الاجتماعي بين مختلف أطياف من يوجدون في الدولة؛ لتكوين البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي للدولة. وما أحوجنا في هذه الآونة إلى أن نستلهم روح هذه الوثيقة ونصوصها المختلفة لإعادة بناء بعض دولنا وأنظمتها التي تعرضت للانهيار بفعل أزمات عديدة مرت بها، وكان من أسبابها جميعًا البعد عن شرع الله (عز وجل) ومن ثم كانت جموع الثوار الذين أزالوا النظم القديمة رغبة في إعادة البناء على أساس ما شرعه الله سبحانه وتعالى، أسوة بما أرساه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في دستور المدينة، بما يحقق الحرية والعدالة والمساواة والتنمية. إن استقراء دستور المدينة يوضح لنا بجلاء الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية إبَّان صدور هذا الدستور الخالد، كما أنه يوضح عناصر بناء الدولة وطبيعة العلاقة بين المسلمين وغيرهم وحقوق الإنسان وواجباته في ظل هذا الدستور وأيضًا الأمن الاجتماعي والسياسي، وأيضًا معوقات بناء الدولة.. فما أحوجنا الآن إلى استلهامم روح صحيفة المدينة بل ونصوصها الصريحة ونحن نشرع في إعادة البناء الدستوري والقانوني لبلادنا العزيزة. الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية