- بعيدًا عن حرب الفضائيات والمكلمات – جمع مكلمة - التى تقوم ولا تنفض أبدًا حول الأوضاع فى مصر سياسيًا واقتصاديًا وفى كل المجالات منصبة كلها على النقد وفقط من أجل النقد. وقلما - بل إن شئت قل نادرا – ما نجد أى برنامج يقدم حواراً بناء وتوعية مجتمعية. فمنذ أن قامت ثورة 25 يناير 2011، وبعدها حدث انهيار كامل لأخلاقيات المصريين، والجميع يبحث عن فرصة للتربح، سياسيًا أو اقتصاديًا. ولن أدخل فى مقارنات قام بها العديد من خبراء المكلمات الفضائية عن عديد من الدول التى بدأت نهضتها مع مصر مثل الهند وكوريا و...إلخ، بل سوف أبدأ هنا من اليابان. ولم لا؟ فهى فعلاً تعتبر بداية النهار، حيث اسمها أرض الشمس المشرقة، وفى بعض الروايات أرض مشرق الشمس. فى اليابان حدث زلزال 11 مارس 2011، والذى كان كارثة بكل المقاييس، ولولا فضل الله لانهارت اليابان، ومن ثم تبع ذلك جهود حثيثة من اليابان حكومة وشركات وأفراداً، الجميع انصهر فى بوتقة واحدة للنهوض بالمنطقة المنكوبة، وتحمل العجز فى الطاقة لدرجة أن الحكومة اليابانية خاطبت الشعب لتخفيض استهلاك الطاقة إلى 25% من الاستهلاك الطبيعى، وياللعجب وصل انخفاض استهلاك الطاقة إلى 27%، ولم نر من يخرج متفلسفا فى الرأى والرد مثلما حدث من تعليقات على تصريح رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل للحد من استعمال الكهرباء لدى المصريين، ومعذرة على تلك المقدمة الطويلة التى أعتبرها مهمة لموضوع هذه المقالة، حيث تتمتع اليابان ومصر بعلاقات صداقة مر عليها 150 عاماً عندما زار مصر وفد من الساموراى – اليابانى القديم – ازدادت العلاقة منذ اعتراف اليابان باستقلال مصر عام 1922. كما أن العلاقات بين البلدين استمرت فى النمو والتطور المتعدد الأبعاد وفى كل المجالات. ولم يقتصر التعاون فقط على المجالين السياسى والاقتصادى وإنما امتد أيضًا ليشمل ما يعرف "بالقوى الناعمة" ومن ضمنها الثقافة والعلوم والتكنولوجيا والسياحة والإعلام والرياضة والفنون. واليوم هنا أذكر بعض من أمثلة التعاون والدعم الفنى التى تقدمة اليابان لمشروع النهضة وبدون تسلسل زمنى: أولاً: نهضة وتنمية سيناء، فاليابان شاركت فى ربط أرض الفيروز بالأم مصر من خلال تشييد وصيانة نفق الشهيد أحمد حمدى، وإقامة كوبرى السلام الذى كان أعلى كوبرى فى العالم وقت إنشائه كأول جسر معلق فوق قناة السويس، حيث يربط آسيا وإفريقيا وشبه جزيرة سيناء بباقى الأرضى المصرية. ولنذهب أكثر من ذلك حيث إنها – والكلام يعود على اليابان - قدمت من خلال مشروعين كبيرين نفذتهما هيئة التعاون الفنى اليابانية (جايكا) لدراسة وحفر آبار مياه جوفية فى شمال وجنوبسيناء فى الفترة من 1990 وحتى 1998، وتبقى شبكة الآبار المحفورة حتى الآن شاهدة على ذلك، وباعتقادى أن الدكتور/ هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء على دراية أكيدة من تلك البيانات حيث إن صيانة ومتابعة تلك الآبار حتى تلك اللحظة تقع ضمن اختصاصات معاهد وزارة الرى الذى كان يترأسها سيادته وهنا السؤال: لماذا لم تستغل تلك الشبكة القيمة من الآبار فى تنمية سيناء وزراعتها؟ وهل آن الأوان لاستغلال تلك المقدرات وتنمية أرض الفيروز؟ لقد زرت سيناء مرات عديدة وقطعت صحراواتها بحكم عملى بدءًا من معيد وحتى أن أصبحت أستاذا للجيوفيزياء، وأعلم جيدا أن تلك الآبار ثروة حقيقية وتكفى لزراعة أرض سيناء الخصبة وتحقيق مستوى معيشى مرتفع واستقرار وأمن لسيناء. هل من مذكر؟ هل آن الأوان لأن نقوم بخطوات إيجابية بناءة لتنمية سيناء؟ لا يخفى على أحد ما يقوم به الباحثون وأساتذة الجامعات المصرية من جهد كبير وبذل الغالى والنفيس للقيام بأبحاث قيمة فى ربوع سيناء، وأخص بالذكر سلسلة المؤتمرات التى كانت تعقد فى رحاب جامعة قناة السويس بعنوان (مؤتمر جيولوجية سيناء للتنمية) والتى يلقى وينشر فيها آخر ما توصلت إليه الدراسات لجميع الموارد الطبيعية الموجودة فى أرض سيناء الحبيبة من بترول ومعادن ومياه جوفية.. وحتى الثروة السياحية. أما آن الأوان لاستخدام ملخصات تلك البحوث والمؤتمرات والبدء فى التطبيق؟ اعلم علم اليقين بأن اتصالاً بسيطاً من المسئولين، بدءًا من مكتب رئيس الوزراء مرورًا بالسادة وزراء التعليم العالى والبحث العلمى مع رؤساء الجامعات المصرية لعقد اجتماع موسع مع رؤساء أقسام الجيولوجيا والحصول منهم، بل تكليفهم بعرض، رؤية وافية نابعة من ملخصات الدراسات التى قام بها أعضاء هيئات التدريس فى أقسامهم وأعضاء البحوث فى معاهدهم البحثية، لتمت عملية زراعة أراضى سيناء واستغلال كل المصادر الطبيعية الوفيرة، فهل من مشمر عن سواعده؟ استصلاح أراضى جنوبسيناء وتمليك أهل سيناء للأرض وزراعتها سوف يوفر الكثير من الخير والنماء لتلك البقعة العزيزة علينا جميعًا.. أذكر على سبيل المثال لا الحصر، عندما يمر المسافر إلى جنوبسيناء بالسيارة مرورًا بالكمين الأمنى عند مفارق طريق الطور – سانت كاترين وحتى يصل إلى مدينة الطور عاصمة جنوبسيناء، سوف تجد مسطحًا شاسعاً من الأرض السهلة للزراعة بطول ما يقرب من 60 كم ومتوسط عرض ما يقرب من 10 كم (أى حوالى 600 كم مربع) أرض ممكن زراعتها بسهولة يتخللها شبكة من آبار المياه الجوفية تم حفرها من خلال المشروع اليابانى بنهاية عام 1998، ويصل بينها شبكة من المدقات الكبيرة التى تم إعدادها أثناء حفر شبكة الآبار، ومن السهل إعادة تمهيدها فى أيام بسيطة بأقل التكاليف. للعلم هذه الشبكة من آبار المياه الجوفية جاهزة لاستخراج المياه فقط يتم تركيب طلمبات ضخ المياه، وأيضًا تتبع لإشراف وزارة الرى ومعاهدها البحثية. ولك أن تتخيل أن مدينة طور سيناء بها مطار داخلى وكذلك ميناء بحرى، أى أن وسائل الاتصال المباشر متوفرة جاهزة. إذن ماذا ننتظر؟