رغم التكتل والشحن الإعلامى والتجييش ضد شرعية الرئيس المنتخب فى الأزمة الدائرة رحاها الآن، بسبب التعنت والتسلط الواضح من بعض القوى السياسية، إلا أن من يسمون أنفسهم جبهة الإنقاذ.. ولا نعرف إنقاذ مَن..؟! .. اللهم إلا ممكن تسميتها "جبهة الإنقاذ النهرى"، سيجدون أنفسهم أمام خسارة كبيرة لمقاطعتهم الحوار الذى نادى به الرئيس وعقد بالفعل دون حضورهم وأسفر عن الخروج بنتائج جيدة والاستجابة للمطالب وما يتسق والقانون والمحافظة على هيبة الدولة، لكنهم ببساطة راهنوا على الحصان الخاسر فى هذا السباق رغم غياب المساندة الجماهيرية عنهم التى تعد العصب لدعم أى فصيل سياسى رغم ما نراه من مظاهرات رافضة لقرارات الرئيس قد يمكن تفهمها من تخوفات البعض، لكنها تبقى غيرة معبرة عن رأى الأغلبية، وهو سر إصرارهم على عدم التوجه للشارع والاستماع إليه لشعورهم أنهم حتماً سيخسرون، فيما الرئيس محمد مرسى يستند للشرعية الشعبية وهى ليست بالضرورة أن يقف وراءها جماعة الإخوان المسلمين فليس كل الشعب مؤمناً بفلسفة الجماعة أو منضماً إليها بصفة رسمية، فالشعب هو من حمله ليصبح رئيساً لمصر، بشهادتهم الموثقة قبل ذلك، فالغالبية بالفعل تقف فى ظهر الرئيس، والتى تمتنع عادة عن المشاركة سلباً أو إيجاباً فى الأحداث الدائرة لكنهم يظهرون فجأة عند صناديق الاقتراع ويرجحون كفة من يرون أنه الأنسب وموافقته على ما يتخذ من قرارات، تتواءم ورؤاهم ورغبتهم الملحة والأكيدة والأهم عندهم بالاستقرار ثم الاستقرار، قد لا يفهمون ولا يتعاطون السياسة لكنهم يجنحون للهدوء وإلا رأيناهم يتظاهرون ويملأون الشوارع كما نرى من مسلسل لا ينتهى سواء من المؤيدين أو المعارضين، بعدما تفهموا أن الثورة انتهت مساء 11 فبراير 2011 يوم تنحى المخلوع، فالمثير حقاً أن من امتنعوا عن حضور حوار الرئيس مصنفون على أكثر من اتجاه فمنهم الليبرالى واليسارى والناصرى والاشتراكى والشيوعى، ومنهم مَن بلا توجه سوى إجادته للمعارضة الكيدية..! وهذا شىء محير حقاً أن تجد الليبرالى المؤمن بالديمقراطية الغربية يرفض الاحتكام للصندوق بشدة، أما الآخرون فمعروف أنهم لا يطيقون الديمقراطية ويكفرون بها، بما يعنى أنهم ضد الليبرالية، تراهم ينادون بالديمقراطية وكأننا أمام مطعم نطلب منه وجبة ديمقراطية "ديليفرى"، عندما تتسق وأهدافهم يسارعون بطلبها.. وعندما تكون ضد رغبتهم يسارعون نحو طلب وجبة ديكتاتورية..! وهو ما يفسر هروبهم الدائم عندما يذكرهم أحد بالصندوق، ويعلقون "تناقضاتهم التى يعيشونها بشكل غريب على شماعة الرئيس"، فعندما وجه مرسى لهم الدعوة خرجوا منتفضين كما الديوك الشركسية رافضين لها مشترطين إلغاء الإعلان الدستور الصادر فى 21 نوفمبر وإلغاء الاستفتاء على الدستور إلا بعد التوافق عليه، وكلمة توافق ليست موجودة فى القاموس العلمى ويحتار المرء فى تفسيرها فالشعب من يحدد! فلماذا سيذهب هؤلاء إذن لمكتب الرئيس؟ ويتحاورون عن ماذا إذا أقبل على إلغاء ما أصدره من قرارات؟! فالرفض ليس من أجل تلبية مطالبهم، بل للفرصة التى يبحثون عنها منذ بداية ولاية مرسى قبل 5 شهور بتضييق الخناق على رقبة الرئيس، والتى لن تعود مرة ثانية فكما يقولون الفرصة تأتى مرة واحدة، فهم يسارعون بشد الخناق الملتف حول الرئيس مرسى ويمسكون بطرف الحبل بأيديهم متصورين أن مواصلة الشد سيخنق الرئيس حتماً ويسلم بإملاءاتهم دون قيد أو شرط، لمعرفتهم بأن الشارع ليس فى مصلحتهم، فى حالة اللجوء إليه عبر صناديق الاقتراع ويمثل لهم الكابوس المزعج فى حلهم وترحالهم، وقد يقول قائل إنهم حققوا انتصاراً مهماً على حساب الرئيس، نقول له نعم لكنه يظل انتصاراً شكلياً سيتلاشى بعد أيام قليلة، فيما الانتصار الحقيقى للرئيس ارتفاع مكاسبه لدى رجل الشارع البسيط وانضمام القوى الصادقة لتأييده واستماعها لصوت العقل الذى يجنح له الكثيرون بحضورهم الحوار بالقصر الرئاسى السبت الماضى، واكتسابه احترام العالم كرئيس منتخب، وقد يكون الكاتب علاء الأسوانى عكس تلك الحالة والهاجس الذى يصيب هؤلاء، عندما ذكر على تويتر أنهم موافقون على الاستفتاء شرط استبعاد غير المثقفين أى البسطاء معتقداً أن من يقرأ فقط سيقول لا.. فيما سيقول الأميون نعم للدستور، وبذلك يضمن عدم التمرير للمشروع، ويقول الدكتور حامد قويسى أستاذ العلوم السياسة بجامعة القاهرة "لا توجد علاقة علمية بين الوعى السياسى والاقتصادى وعدم معرفة القراءة والكتابة، فالوعى هو وعى بالمصلحة وكم شاهدنا فى حياتنا من أقاربنا من لا يكتبون وهم أكثر وعياً من أساتذة جامعيين، مشيرًا إلى أن عظماء صناع الحضارة وعلى رأسهم النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، الذى قاد أمة وصنع حضارة كان أمياً".. والأسوانى محسوب على هذا التيار، ومؤيد له منذ أن تراجع عن تأييده لمرسى منذ فترة، وهذا يؤكد حالة التخبط التى تمر بها القوى السياسية بعدما استقر بهم الحال خارج اللعبة بالكامل.