التاريخ المصرى عميق فى إنجازاته وبطولاته، وكانت ولا تزال مصر صخرة صلبة تتحطم عليها أطماع الحاقدين، تضعف وتمرض لكن لا تموت، فلنكن على ثقة ويقين من انتصارها فى معركتها الحالية، رغم كثرة أعداء الداخل والخارج، ما بين طامح طامع فى سلطة، وفاسد يريد استعادة مجد سيّده، وعدوٍّ يتربص بها الدوائر، غير أننا نثق فى قدرتها على التحدّى وتجاوز المرحلة بسلام، متسلِّحةً بإسلامها الراسخ فى أعماقها. فحين اجتاح التتار الشرق خرجت له مصر فدحرته، ولما احتل الصليبيون بيت المقدس ذهبت إليهم مصر فطردتهم. وهى هى لم تتغيّر، ولم تُبَدِّل عادتها، وإنما هى على وفائها لدينها، ثابتة على عقيدتها، وهذه إحدى سماتها البارزة عبر التاريخ. وإذا كان الاحتلال قد أفلح فى تغيير لسان بعض أهلنا فى الجزائر وتونس إلى حدٍّ كبير؛ فلم يفلح عندنا، لا فى أيام الدولة الفاطمية الرافضية القبيحة، ولا فى أيام الاحتلال الحديث وما تلاه من عصور الظلم والفساد. وقد زُلزِلَت مصر فى العامين الماضيين أكثر مِن مرة، فثبتت، واقتربت من دينها أكثر وأكثر، رغم حملات التشويه والتخويف التى قادتها حملات «الإعلام المغرض» الجبارة، فباءت جميعها بالفشل، وخرجت مصر بأولادها تنشد الإسلام وتنادى به، بما يعنيه هذا النداء مِن استقلالية وتحرُّرٍ للوطن، وإعلاء قيمة الإنسان واحترام حقوقه. فعلينا أن نثق فى قدرتنا على تجاوز المرحلة، بثبات ورسوخ، وساعتئذٍ ستجرى ألسنتُنا بقول الله - عز وجل -: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ» (الأنفال:36). نعم ينفق الذين كفروا، والذين فسدوا، والذين استكبروا فى الأرض، والطامعون والطامحون والمنافقون والمتلوّنون، ينفقون أموالهم، فيُغلبون ويتحسرون على ما أنفقوا، وتكون العاقبة للمتقين. إنها سُنن الله عز وجل الذى يدافع عن عباده المؤمنين، وينصرهم، تلك السُّنّة التى يعاندها المعاندون المستكبرون، فتأتى النتائج تصفعهم بقوة لتجبرهم على الرضى والتسليم بهذه السنن رغمًا عن أنوفهم، «سُنَّةَ اللهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا» (الأحزاب:62). لقد استكبر فرعون حتى إذا أدركه الغرق «قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِى آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ» (يونس:90). ولما رأى المجرمون نتيجة أفعالهم طالبوا بالعودة ثانية كما قال - سبحانه وتعالى -: «وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ» (السجدة:12)، وقال تبارك وتعالى: «وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ» (فاطر:37). كلهم يندم ويتحسّر ويود لو يرجع مرة أخرى فيعمل صالحًا، لكن هيهات؛ وقد كانت لديه الفرصة كاملة لعمل الصالحات، وجاءه النذير، فظلم نفسه وظلم غيره، وأوردَ نفسه ومَن تبعه المهالك. «فيا جبل ما يهزَّك ريح»، ويا أيتها القلوب المتعلِّقة بالله ردِّدى قوله - سبحانه -: «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا» (النساء:76)، وقوله سبحانه: «إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ» (يونس:81). فكيد عدوّك ضعيف، وخطته هزيلة، والله لعمله بالمرصاد، لا يُصلح الله عمله، ولله جنودٌ لا يعلمها إلا هو، وقد رأيتم الأعاصير والرياح تقف معكم وبجواركم تصنع النصر لهذه الأمة فى أطراف الأرض المترامية. وأنت مصر أرض أنبياء، شرَّفكِ الله برسالاته، وحباكِ بأمنه وأمانه، ووضع فيك جنان الدنيا وأشجارها ومباهجها، «جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ». وقد رأيتِ كيف تآمروا عليكِ فنجّاكِ الله، وأنفقوا فعادت أموالهم عليهم حسرات، وجمعوا الحشود فزادتهم فزعًا ورعبًا منك، ولم تُغْن عنهم شيئًا. إننا على ثقةٍ بأن الله ناصرك ومدافعٌ عنك بإيمانك وإسلامك، وقد رأينا آثار إيمانك فى كافة ربوعك، رأيناه فى دعوات أبنائك، وعلى ألسنتهم وسطورهم، رأيناه فى صورهم وأعمالهم، رأيناه فى مساجدهم ومصانعهم، إنهم أبناؤك البررة، ورجالك الأطهار. إننا نشعر بهؤلاء الأطهار، كما نشعر بالأمن والأمان فى كل مكان مِن أرضك، لا يعكر صفوك، ولا يوقف مسيرتك نفاق منافق، ولا حجارة يلقيها صبى فى وجهك، فنحن نعلم أنها حلاوة الروح ورقصة المذبوح كما يقال. فعلى بركة الله يا مصر سيرى نحو المعالى. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]