ولكن قبل أن أخوض فى موضوع العنوان، يلزم أن أنبه قادتنا، قادة العمل الإسلامى، فأقول: الدولة ليس بها قادة (إداريون)، ولكن يمكننا أن نجد عشرة على الأكثر ولكنهم خارج دواوينها. الدولة وللأسف ليس بها ساسة، ولكن هناك عشرة على الأكثر يمكن تأهيلهم، ولكنهم أيضاً خارج نطاقها، ربما نجد اثنين أو ثلاثة منهم لا أكثر للأسف، فى حزب الحرية والعدالة، أو لم يظهر لنا فى المشهد غيرهم. صدقونى ما تقدم رصيد تراكمى لتأملاتى ورصدى كذلك، طوال العامين الأخيرين، وصدقونى أيضاً أن لا بناء إلا ببشر، بشر مبدع، إن كنا نريد تحقيق عمل معتبر. من مؤهلات المبدع العديدة، أنه فضلاً عن خزينه الإبداعى السهل استدعاؤه، فإنه قناصٌ أيضاً للأفكار المبدعة لدى الآخرين، حيث نطاق آفاقه الفكرية، واسعة مترامية الأطراف، كما ولأنه منفتحٌ متواضعٌ لا يكابر واثقٌ، فيدرك أن ما سيقتنصه فضلاً عن نفعه العام، فهو أيضاً سيُذكر له وسيمثل إضافة إلى رصيده وربما بقدرٍ أكبر من صاحبه. ذلك كان عن الممكن البشرى «الإستراتيچى» المتاح فى مصر، ويا ليتنا نستطيع استقطابه، فلا يمكن لنا أن نبنى الدولة وقبلها نصوغ رؤيتنا لهذا البناء، قبل أن نوفق فى البحث ومن ثم استقطاب هؤلاء العشرين. فى المقابل من هؤلاء العشرين الإستراتيچيين، يمكننا أن نجد ثلاثين من المديرين التنفيذيين، على درجة عالية من الكفاءة ولكنهم من خارج الدواوين الحكومية كذلك، من مميزات هؤلاء، الانضباط التنفيذى فى الإطار الإستراتيچى، والدقة فى إدارة المنظومة أى منظومة، والتواصل العملى، فضلاً عن دورهم الواعى فى الإمداد المعلوماتى للإدارة العليا الإستراتيچية، وهو شأن فى غاية الأهمية. فى المقابل من هؤلاء وأولئك، يمكننا أن نجد داخل دواويننا، عدداً غير معلوم لى ولكن يقيناً لدينا ما يكفى منهم، ممن لديهم الاستعداد للتأهل للعمل كمساعدين للمدراء التنفيذيين، فضلاً عن دورهم كمفاتيح معلومات لمدرائهم الجدد، فيما يخص الدواوين والعاملين ودولاب العمل اليومى. * لو صحت واقعة الضغط على قناة سى بى سى لمنع صباحى من الظهور على شاشتها، فذلك يعكس عشوائيتنا الإدارية على صُعد عدة، منها مثلاً وليس حصراً، عدم تقديرنا للآثار السلبية لمثل هذا الفعل، ثم عدم قدرتنا كإسلاميين على تأسيس فضائياتٍ جاذبة، قِبل من يستهدفوننا بأكاذيبهم وأباطيلهم. أما الأعجب فى غفلتنا تلك، وفى الأيام القليلة الأخيرة، وعند أحداث قصر الرئاسة تحديداً، كيف تجاوزنا عن دم شهداء مصر كافة من الإسلاميين وغيرهم، وعن أن نحمل هذه الأقلية التى فى أدنى الأمور وبعيداً عن اتهامها بما لا أملكه من دليل، لذلك فسأكتفى بما هو مشهود، وهو أنها لا تستطيع تنظيم تظاهراتها، ومن ثم فمسؤوليتها التى لا تستطيع أن تفر منها، هى المتعلقة باندساس الفلول وبلطجية الفلول فى تظاهراتها!.. * مشاكلنا كإسلاميين لا أبالغ إن قلت، أن كلها وفى النطاق السياسى تحديداً، هى من صنع أيدينا، وأنها من أفعالنا وكذلك من ردود أفعالنا غير المدروسة وغير الواعية والتى لا تستند أبداً إلى رؤية إستراتيچية رئيسية ومسبقة، وغياب لنهج الأقوال والأفعال، أى حركتنا إجمالاً. من أخطائنا الشهيرة تلك، والتى تمثل عنواناً سيذكره التاريخ لمرحلة هامة من تاريخ مصر بعد الثورة، ما كان عند بزوغ «التوافق الغبى» الذى طالبت به الأقلية بديلاً عن الإرادة الشعبية المتمثلة فى الصندوق، وقد أعلنته هذه الأقلية مبكراً فى مارس 2011 حيث كانت «لا» حال تحققها فى الاستفتاء ستؤدى من وجهة نظرها إلى جمعية وطنية لصياغة الدستور عبر التوافق وليست عبر الانتخاب المباشر من الشعب، ثم أصبح هذا التوافق نغمة ترددها هذه الأقلية، لم تُواجه من قِبلنا بما ينبغى من تفنيد وفضح، ظللت أكرر منذ أبريل 2011 مثالاً يجب أن نواجهها به وأطالب قادتنا باعتماده، وهو هب أن دستورنا مكون من عشر مواد، لا خلاف بين الفريقين حول ست منها، وانحصر الخلاف فى الأربع الباقية، وأنه بعد سجالٍ طويل، استطاع الفريقان أن يتوافقا على اثنتين وبقيت أخريين تمترس كل فريق حول رأيه فيهما ولا يريد أن يتزحزح قيد أنملة عن رأيه، فماذا يكون التصرف، ولمن نحتكم؟ أليس للشعب، صاحب المصلحة، وصاحب القول الفصل فى أى ديمقراطية عبر العالم، كما تردد هذه الأقلية دوماً؟!.. واليوم أقول لهذا الفريق، نحن نقول إن الحكم لله ومن ثم للشعب المؤطر بشرع الله، وأنتم ترددون أن السيادة للشعب، بل وأضفتم بسذاجة مؤخراً فى ضجيجكم المفتعل أن «الشرعية للشعب»، وهو ما أحاصركم به اليوم، وإلا فأى سذاجة سذاجتكم تلك، وأى كذب كذبكم المفضوح ذلك!.. وللأسف استطعتم أن تستدرجوا قادتنا، قادة العمل الإسلامى، إلى مستنقعكم، مستنقع السذاجة والجهل السياسى، طوال ما يقرب من عامين، وراحت نصائحنا المبكرة إلى قادتنا، نصائحنا المستشرفة لتعويقكم الساذج، أدراج الرياح للأسف. أما حديثنا عن الدولة العميقة وتشعباتها، وكيفية التعاطى معها، فهو حديث مللنا من تكراره، ولا حس لمن تنادى من قادتنا، ولا خبر عن وعيه وإدراكه، وتقديره لخطورته وتأثيره، ولم أكن أتحدث منطقاً من هواجس أو شكوك مرضية، ولكن من واقع ودلائل وجسم له رأس وأيدٍ وأرجل ومصالح ممتدة لا يمكن التفريط فيه، بعضها يمكن تفهمه وقبوله فهو يصب فى الدولة والمؤسسة بكوادرها، ولكن المهم الوعى بها والتمكن منها كذلك، مرة أخرى أقول هل هى مكابرة من قادتنا فى عدم الاستماع لنصائحنا، أم هو انغلاق، أم هو جهل؟ نود أن نستمع من قادتنا، قادة العمل الإسلامى، لإجابة واعتراف ومراجعة، فقيامة نرجوها بإذن الله. * وبعد، فنأتى إلى موضوع عنوان مقالى، وهو الاستفتاء الحلم، الاستفتاء الشامل الذى يلبى رغبات أغلب أهل مصر فى استقرارٍ وتقليص للنفقات التى لن يعانى منها إلا الشعب، فأقول إن هذا الاستفتاء يشمل: أولاً: الاستفتاء على الدستور على أن يشمل الاختيار بين المواد الخلافية، وصدقونى لا تنتظروا توافقاً عليها، ولنحتكم إلى الشعب بشأنها. ثانياً: هل توافق على عودة مجلس الشعب بكامل أعضائه المنتخبين والمعينين، على أن تبدأ إجراءات انتخابات مجلس النواب القادم فى الأول من ديسمبر 2015. ثالثاً: هل توافق على أن يمتد عمل مجلس الشورى الحالى إلى حين الانتهاء من انتخابات مجلس النواب القادم فى مطلع 2016، على أن تبدأ إجراءات انتخاب مجلس الشيوخ فى اليوم التالى لانعقاد أول جلسة لمجلس النواب. «وإن كنت أتمنى أن يلغى هذا المجلس تماماً، ونكتفى باستمرار الحالى إلى تنتهى انتخابات مجلس النواب مطلع 2016». رابعاً: توسيع اختصاصات وصلاحيات «الحكم المحلى» وإجراء انتخابات مجالسه مارس 2013. «أقول إنه من شأن توسيع صلاحياته، فضلاً عن فوائده العديدة وعلى الأصعدة كافة، فإنه يوفر بعداً سياسياً هاماً، وهو امتصاص طاقات الجماهير فى المحافظات والتواصل الإيجابى، بعيداً عن السلطة المركزية». صدقونى، فكرة الاستفتاء الشامل، لا أطرحه منطلقاً من توجهى السياسى، فلا أشك للحظة فى شعبية التيار الذى أنتمى إليه، ولكنى أنطلق من حب مصر، ومن معايشتى والتحامى بأهلنا الطيبين ورغباتهم، ثم ما أيسر علىَّ أن أسوقه لدى أهلنا فى ربوع مصر، لأنه مشروع يحمل فى طياته أدوات تسويقه وترويجه بين الناس. بالتأكيد استفتائى هذا الذى طرحته هو مجرد حلم يعكس رغبات البسطاء من أهلنا الطيبين، المتطلعين بشوقٍ إلى الاستقرار وتقليص نفقات صراعاتكم السياسية والمتطلعين إلى سرعة التحول إلى البناء، وتبقى الكرة فى ملعب هذه الأقلية السياسية المعوقة بصراعاتها الباطلة، أن تأخذ هذه الأقلية فى الأدنى بمقاصد هذا الطرح «الحلم» الذى لن يجد من يحب مصر بينها ليتبناه، فقط أكرر أن خذوا بمقاصده، لأن الناس فى البيوت زهقت منكم ومن أباطيلكم. وسيبقى حديثى الذى لن أتوقف عنه فى قادم الأيام بإذن الله وإذا قدر الله لنا عمراً، وهو الإدارة العلمية، التى لن تنهض مصر بعد توفيق الله، إلا عبرها. [email protected]