عندما أصدر المجلس العسكرى الحاكم الإعلان الدستورى المكبل لسلطات الرئيس قبل ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية بساعات محدودة لم تعترض القوى المدنية والديمقراطية على تغوّل العسكر فى دنيا السياسية، ولم تمانع فى استردادهم للسلطة التشريعية كاملة بعد حل مجلس الشعب بحكم من المحكمة الدستورية وقرار من المجلس العسكرى صاحب المصلحة فى استرداد سلطات التشريع !!.. وقبل الرئيس المنتخب د.محمد مرسى مسايرة المجلس العسكرى وتغاضى عن وجوده كسلطة فوق السلطة الشرعية المنتخبة وكانت القوى المدنية "العلمانية" بما فيها من ليبراليين وقوميين وبقايا "روبوبيكا الاشتراكية" مساندة لهذا الوضع الغريب الازدواجية السلطة فى مصر إلا أن أنهى الرئيس مرسى هذا الوضع فى أغسطس الماضى، ولكنه لم يستطع إعادة السلطة التشريعية المنتخبة لطعن المحكمة الدستورية على إعلانه الدستورى . ذكر المؤرخ المصرى الدكتور/ محمد الجوادى فى حوار له على قناة المحور مع الإعلامى عمرو الليثى أن النيات كانت مبيتة من قبل المحكمة الدستورية لإلغاء الإعلان الدستورى للرئيس مرسى ليعود المجلس العسكرى من جديد، ويصبح موقع رئاسة الجمهورية صوريًا، وهذا ما حدى بالرئيس مرسى ليعجل بإصدار الإعلان الدستورى الأخير ليحصن الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى المنتخب ويحص قراراته من الطعن عليها من قبل المحكمة الدستورية التى حلت البرلمان المنتخب من قبل، وأفشلت عودته بقرار من الرئيس، وقد وجد البعض الفرصة لتوحيد قوى المعارضة بالتصعيد ضد الإعلان الدستورى للرئيس مرسى من خلال تحالف عجيب وغريب مع فلول الحزب الوطنى المنحل.. لعل المعارضة تستثمر أموال أقطاب الوطنى فى التظاهرات والاعتصامات بميدان التحرير.. وكل ذلك يعد أمرًا مقبولًا فى الديمقراطية إلا أنه من غير المقبول فى الديمقراطيات الناضجة أن تتحول التظاهرات إلى أعمال شغب وعنف ضد المخالفين فى الرأى أو شروع فى حرق منشآتهم الحزبية. لقد أظهرت الأزمة الحالية فى مصر بعض الضعف فى الفريق الرئاسى الملتف حول رئيس الجمهورية من مستشارين ووزراء وعدم تماسك هذا الفريق خلف الرئيس، وذلك بعد أن تقدم البعض باستقالاتهم فى أول أزمة تتعرض لها الرئاسة، كما فضحت الأزمة المعارضة وأظهرت هشاشة طرحها وهزال مواقفها رغم احتلالها لتسعين فى المائة من الإعلام والصحف والفضائيات.. فلا يعقل أن تجتمع الجمعية العمومية لحزب فى مقهى بوسط البلد على طاولتين (لزوم المشاريب) بينما يتنقل زعيمها بين الفضائيات ليزعم أنه ممثل للشعب المصرى بأجمعه وعندما يُدعى للحشد فى الميدان يلجأ لاستئجار "البلطجية" والسوقة.. وعندما ينزل البعض منهم لمعترك الانتخابات تراه يتوسل للقوى الإسلامية أن تترك له الدائرة الانتخابية ولا تتبنى مرشحًا لها فى مقابلة!!. لقد أثبتت المعارضة بأنها بلا رؤية موضوعية ولا أفق سياسى برفضها للحوار الوطنى الذى دعا إليه رئيس الجمهورية فعلى أى شىء سيحاور الرئيس مرسى المعارضة أن قبل بشروطها المسبقة ورضخ لضغوط العدول عن الإعلان الدستورى وحل الجمعية التأسيسية وألغى الاستفتاء الشعبى على الدستور الذى أنتجته؟!، فإلى أين تسوق المعارضة مصر؟!! إلى الفراغ الدستورى ومن ثم تشكيل المجلس الرئاسى بديلًا عن الرئيس المنتخب؟!! ألم يرفض هؤلاء تبنى فكرة المجلس الرئاسى أيام المجلس العسكرى المعين من قبل الرئيس المخلوع مبارك؟!!، وإن كانت جبهة الرفض المعارضة تملك هذه الشعبية العارمة لماذا لا تستخدمها فى رفض الدستور وإسقاطه عبر صناديق الاقتراع وكفى الله المؤمنين شر القتال؟! . فى الحقبة الناصرية أُعدم كل من عبد القادر عودة وسيد قطب، وذاق الإخوان شتى صنوف التعذيب وامتهان كرامة الإنسان، وفى أيام السادات تجرع اليساريون والإسلاميون مرارة السجون التى بقيت مشرعة للتيار الإسلامى وحدة طوال عهد مبارك وبعد الخامس والعشرين من يناير 2011م، أصبح الرئيس المنتخب يُشتم صباح مساء فى وسائل الإعلام ويتجرأ السوقة والدهماء على قصره الرئاسى الذى لم يكن يجرؤ العتاة على مجرد النظر إليه فضلًا عن الكتابة على جدرانه.. فمن يصدق أن الديكتاتور مرسى يسمح بهذا التطاول على مقام رئاسة الجمهورية ولا يستخدم من الصلاحيات القانونية ضد المفترين عليه؟!! ما يراه المراقبون هو سعى الرئيس مرسى للانتقال بمصر إلى رحابة الدولة الديمقراطية الحديثة المستقرة بينما يعمل خصومة على عرقلة المسيرة ومنع التحوّل الديمقراطى المنشود حتى لا تتجاوز الديمقراطية الوليدة مرحلة الحضانة، وتظل مصر لعبة فى أيدى العابثين بأمنها واستقرارها ومرتعاً للمتآمرين على موقعها وريادتها الساعين لإجهاض ثورتها المجيدة. [email protected]