تبدو المسرحية المصرية التي كان بطلها الكاتب المصري سيد القمني مثيرة للسخرية أكثر من أي شيء آخر، وقد تابعنا بكثير من التهكم والشماتة ترادحات الليبراليين الجدد فيما بينهم حول ما جرى للكاتب الذي يحلو للبعض أن يصنفه في دوائر المفكرين الإسلاميين المستنيرين. لسنا هنا بصدد الحديث عن كنه ذلك التراجع وتوقيته، لاسيما بعد أن فقد الرجل الأضواء وبات يعيش ظروفا مادية صعبة بحسب القريبين منه، فما يهمنا هنا هو الإشارة إلى أن معظم الكتابات التي تناولت هذه الحادثة قد تلبستها العاطفية العربية المعهودة، إذ تباكت بدموع التماسيح على حرية المثقف ووضعه المأساوي الذي يعيش، مستعيدة تلك "الحسينيات الليبرالية" المعروفة في هكذا حوادث، دون أن تتحلى بقدر من الموضوعية العلمية والإنصاف فتتجه إلى أصل المشكلة والسبب الكامن خلف تلك التهديدات التي زعمها القمني. أسجل هنا بأنني ضد أي تهديد بالقتل أو العنف من أجل تغيير فكر إنسان، لإيماني الجازم بأن ما يدحض الفكر هو الفكر فقط وليس شيئا آخر، وقراءة بسيطة في تاريخنا الإسلامي الذي يزخر بكثير من هاته الحوادث تنبئنا بأن أرتالاً من تلك النفايات التي كتبها الزنادقة والمبتدعة الذين شطوا وغلوا كان مصيرها مزبلة الفكر والتاريخ، بل حتى الذين امتطوا السياسي لترويج فكرهم عبر بسطاره وسوطه، ما لبثوا أن كرّت عليهم دورات الزمان فسحقتهم ومعهم كل ما فرض بالقوة. ونذكّر هنا بأن الله تعالى قد تكفل بحفظ دينه إلى يوم القيامة، وإن هي إلا دورات التاريخ تعلو وتهبط، فيذهب الزبد جفاءً، ولا يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس. يقول لنا القانون الكوني الفيزيائي الذي ينسحب على عوالم الأفكار بأن لكل فعل (متطرف) رد فعل له نفس القوة لكنه مضاد في الاتجاه. وقد كان لافتاً أن من كتبوا لم يشيروا من قريب أو بعيد إلى أن لصاحبهم القمني آراء متطرفة حيال ديننا تصل حدّ السخرية، ولا تملك كمسلم إلا أن تسترجع أو تضحك استخفافا بتلك الأفكار التي يطير بها دعاة التنوير وأدعياء العصرنة، فبالله كيف نتقبل من هذا (المفكر) وهو يقترح علينا أن يكون موسم الحج أربع مرات في العام وأن تتساوى الأنثى مع الذكر في الميراث وإبطاله لقاعدة حد الردة فيمن يجهر بإنكار معلوم من الدين بالضرورة، إضافة إلى مطالبته المسلمين بالاعتذار عن فتوحاتهم بسبب المخازي التي ارتكبوها والسلب والنهب وركوب نساء العدو، فضلا عن حديثه في الإسراء والمعراج وناقة صالح عليه السلام وأنها أساطير لا تتفق وعصرنة الإسلام، وجملة من الأفكار التي تصادم فطرة وعقيدة أي مسلم بسيط. على أي حال، سأترك القمني وآراءه المثيرة للسخرية لأتحدث عن استمتاعي بمتابعة كهنة الليبرالية الجدد وهم يترادحون ويتعاركون، فقد شنّ شاكر النابلسي المثقف الأردني المتأمرك حتى النخاع حملة هوجاء من إحدى الولاياتالأمريكية حيث يعيش في هناء وأمن واطمئنان موبخاً رفيق الأمس و زميل التبشير الليبرالي الجديد على جبنه وخوره وسقوطه في بئر الخوف بمقالة مطنطنة عنونها (سيد القمني : بئس المفكر الجبان أنت). وقد طالبه فيها بالتضحية والاستشهاد في سبيل الفكر والرأي على طريقة فرج فودة وحسين مروة وغيلان الدمشقي، وقد أبدعت الزميلة لطيفة الشعلان في زاويتها المتميزة بمجلة (المجلة العدد1328) وهي ترصد باحتراف عقلية الليبرالية العظيمة التي يبشرنا بها هؤلاء وقد قالت بأن الوقت ليس للمزايدة على سيد القمني ( فيكون من خلفه الإرهاب العربي البغيض ومن أمامه الليبرالية العربية العظيمة التي كشفت في لحظة اختبار خاطفة، ميراثها القبلي والمكبوت في لاوعيها من ثقافة عشائرية، تنتشي برائحة الموت، وتطالب فارس القبيلة بالصمود حتى آخر نفس، وتذكره في نثر ثوري يحتوي كل المحسنات البديعية بكل "من لم يتخل عن أفكاره وقضى نحبه شهيدا"). وتنهي كاتبتنا العزيزة فقرتها ب ( لا أقول سوى عاشت ثقافة شاكر النابلسي التي يبشر بها ليلا ونهارا لانتشال العالم العربي من استبداده المزمن). وأنا أقول وما يخفى من تناقضاتهم أعظم، وقريبا سنرى كيف يفضحون بعضهم البعض حيال ما يقبضونه من السي آي ايه، ولم تغب عنا أبدا أسماء يوسف الخال وأدونيس وجماعة حوار وشعر اللبنانيتين