البابا تواضروس مهنأ بذكرى دخول المسيح مصر: تنفرد به الكنيسة الأرثوذكسية    منظمة الصحة العالمية ل«الوطن»: الأطقم الطبية في غزة تستحق التكريم كل يوم    «عالماشي» يتذيل قائمة إيرادات شباك التذاكر ب12 ألف جنيه في 24 ساعة    وزير الكهرباء ينيب رئيس هيئة الطاقة الذرية لحضور المؤتمر العام للهيئة العربية بتونس    «التموين» تصرف الخبز المدعم بالسعر الجديد.. 20 قرشا للرغيف    بدء تلقي طلبات المشاركة بمشروعات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 1 يونيه 2024    «الإسكان»: تنفيذ 40 ألف وحدة سكنية ب«المنيا الجديدة» خلال 10 سنوات    نائب: الحوار الوطني يجتمع لتقديم مقترحات تدعم موقف الدولة في مواجهة التحديات    هل توافق حماس على خطة بايدن لوقف إطلاق النار في غزة؟    الأردن يؤكد دعمه جهود مصر وقطر للتوصل إلى صفقة تبادل في أقرب وقت ممكن    استشهاد طفل فلسطيني بدير البلح بسبب التجويع والحصار الإسرائيلي على غزة    الجيش الإسرائيلي: مقتل 3 عناصر بارزة في حماس خلال عمليات الأسبوع الماضي    بث مباشر مباراة ريال مدريد وبوروسيا دورتموند بنهائي دوري أبطال أوروبا    «استمتعتوا».. تصريح مثير من ميدو بشأن بكاء رونالدو بعد خسارة نهائي كأس الملك    ميدو: استمتعوا بمشهد بكاء رونالدو    محافظ القليوبية يتفقد أولى أيام امتحانات الشهادة الثانوية الازهرية بمدينه بنها    ابتعدوا عن أشعة الشمس.. «الأرصاد» تحذر من موجة حارة تضرب البلاد    «التعليم» تحدد سن المتقدم للصف الأول الابتدائي    تعذر حضور المتهم بقتل «جانيت» طفلة مدينة نصر من مستشفى العباسية لمحاكمته    خبير: شات "جي بي تي" أصبح المساعد الذكي أكثر من أي تطبيق آخر    الزناتي: احتفالية لشرح مناسك الحج وتسليم التأشيرات لبعثة الصحفيين اليوم    توقعات تنسيق الثانوية العامة 2024 بعد الإعدادية بجميع المحافظات    «الآثار وآفاق التعاون الدولي» ضمن فعاليات المؤتمر العلمي ال12 لجامعة عين شمس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024    طب القاهرة تستضيف 800 طبيب في مؤتمر أساسيات جراحات الأنف والأذن    مشروبات تساعد على علاج ضربات الشمس    إنبي يخشى مفاجآت كأس مصر أمام النجوم    متحدث "الأونروا": إسرائيل تسعى للقضاء علينا وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين    اليوم| «التموين» تبدأ صرف مقررات يونيو.. تعرف على الأسعار    اليوم.. بدء التسجيل في رياض الأطفال بالمدارس الرسمية لغات والمتميزة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 1 يونيو 2024    فتوح يكشف حقيقة دور إمام عاشور وكهربا للانتقال إلى الأهلي    مسيرة إسرائيلية تستهدف دراجة نارية في بلدة مجدل سلم جنوب لبنان    رئيسا هيئة الرعاية الصحية وبعثة المنظمة الدولية للهجرة يبحثان سبل التعاون    هل لمس الكعبة يمحي الذنوب وما حكم الالتصاق بها.. الإفتاء تجيب    بث مباشر من قداس عيد دخول العائلة المقدسة مصر بكنيسة العذراء بالمعادى    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم السبت 1 يونيو 2024    مفاجأة بشأن عيد الأضحى.. مركز الفلك الدولي يعلن صعوبة رؤية الهلال    شهر بأجر كامل.. تعرف على شروط حصول موظف القطاع الخاص على إجازة لأداء الحج    «إنت وزنك 9 كيلو».. حسام عبد المجيد يكشف سر لقطته الشهيرة مع رونالدو    سيول: كوريا الشمالية تشن هجوم تشويش على نظام تحديد المواقع    تقديم إسعاد يونس للجوائز ورومانسية محمد سامي ومي عمر.. أبرز لقطات حفل إنرجي للدراما    لسنا دعاة حرب ولكن    تطورات الحالة الصحية ل تيام مصطفى قمر بعد إصابته بنزلة شعبية حادة    دعاء التوتر قبل الامتحان.. عالم أزهري ينصح الطلاب بترديد قول النبي يونس    «دبحتلها دبيحة».. عبدالله بالخير يكشف حقيقة زواجه من هيفاء وهبي (فيديو)    لمواليد برج الجوزاء والميزان والدلو.. 5 حقائق عن أصحاب الأبراج الهوائية (التفاصيل)    ماهي ما سنن الطواف وآدابه؟.. الإفتاء تُجيب    «القضية» زاد الرواية الفلسطينية ومدادها| فوز خندقجي ب«البوكر العربية» صفعة على وجه السجان الإسرائيلي    مدرس بمدرسة دولية ويحمل جنسيتين.. تفاصيل مرعبة في قضية «سفاح التجمع» (فيديو)    عاجل.. طبيب الزمالك يكشف موعد سفر أحمد حمدي لألمانيا لإجراء جراحة الرباط الصليبي    "أزهر دمياط" يعلن مشاركة 23 طالبا بمسابقة "الأزهرى الصغير"    طبيب الزمالك: اقتربنا من إنهاء تأشيرة أحمد حمدي للسفر إلى ألمانيا    وزارة المالية: إنتاج 96 مليار رغيف خبز مدعم في 2025/2024    أ مين صندوق «الأطباء»: فائض تاريخي في ميزانية النقابة 2023 (تفاصيل)    أعراض ومضاعفات إصابة الرباط الصليبي الأمامي    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى الكويت بعد القاهرة .. الإغتيال الثانى لنصر أبوزيد
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 19 - 12 - 2009

توفر للكويت الشقيق مجموع متناسق من المثقفين الكويتيين الليبراليين شكلوا منظمة أهلية تحت الإشهار تسمى «مركز الحوار للثقافة»، وقد دعا المركز الدكتور المصرى نصر حامد أبوزيد لإلقاء محاضرتين فى مقر الجمعية الثقافية النسائية الكويتية، وقد رحب الدكتور نصر بالدعوة وتلقى كارت الزيارة من د.أحمد البغدادى المسئول عن المركز وهو مثقف كويتى اندهش من منع ضيفه من دخول البلاد بعد أن حصل له على موافقة السلطات الرسمية هناك، وهى الموافقة التى جعلته يركب طائرة الخطوط الوطنية الكويتية ليتم منعه من دخول الكويت بمطار الشيخ سعد
وطالبت السلطات الكويتية بعدم عودته على خطوطها الوطنية، وذلك على خلفية تنديد أحد أعضاء البرلمان الكويتى بالدكتور نصر حامد أبو زيد، فى تصور مسبق عنه يدعى أنه مرتد عن الدين الإسلامى.
هذا النائب الكويتى المنتمى للتيار الإسلامى اشار للحكم الصادر بتكفير د.أبوزيد وتفريقه عن زوجته عام 1995 بالقاهرة، وهو الحكم الصادر عن محكمة استئناف القاهرة، وهو يحاكم أفكار أبوزيد خاصة ما جاء فى كتابه «نقد الخطاب الدينى».
ولسنا هنا بصدد مناقشة حيثيات الحكم، ولكن تبقى الآثار المترتبة عليه التى تمتد منذ 1995 فى القاهرة إلى 2009 فى الكويت.
والحق أن هذا الأمر، بات منطقة ملغومة تنفجر فى أى وقت فى وجه من يقترب منها، وما أقصده هو استخدام الفكر والعلم والاجتهاد كسبب لتكفير الناس.
الشريعة السمحة فى تطبيق حدود الله تكاد تضع شروطاً مستحيلة لإنزال العقاب، وفى حالة الردة عليه أن يعلن على الملأ أنه عاد عن دين الله، وهو لم يفعلها أبداً فى حدود علمى.
ونصر حامد أبو زيد دعا إلى التخلص من عبودية النصوص لا بالإشارة للنصوص ذاتها بل بالإشارة للمفسرين والقائمين على تأويلها، وتحويلها لنصوص مهيمنة.
لا شك أن نصر حامد أبو زيد صادم بل ويتعمد مثلما يتعمد د. سيد القمنى استخدام الصدمة لإثارة الجدل.
وهى طريقة لا تهتم بالإطار المرجعى للمتلقى، وهو إطار يشكل الدين فيه المكون الأساسى لهوية الجماعة بل والدولة المصرية.
وقد مللنا تلك الطريقة حيث أصبح
د. عبدالصبور شاهين ومن يشاكلونه سبباً فى إصابة الكثيرين بالشهرة الكبيرة، بعضهم تعمد ذلك، وسعى له مثل د. سيد القمنى بل طلب من الدولة حراسته والدفاع عنه.
ونصر حامد أبوزيد ليس من هؤلاء، بل هو باحث أكاديمى من طراز رفيع، توفر على مشروعه العلمى تأليفاً وترجمة وتدريساً بالجامعة، بينما سعى معظم جيله للندب فى مؤسسات حكومية، وخاصة فى وزارة الثقافة، وفرت حظاً أوفر من الثروة والسلطة والسطوة المعنوية على زملاء العمر.
لكنى لا أعفيه من طريقة الحلاج فى استعداء الناس حين قال: كفرت بدين الله والكفر علىَّ واجب. فحكم عليه بالإعدام، فعاد ليقول كفرت فى اللغة تعنى تغطيت أو تدثرت بدين الله.
ولأحوال المتصوفة العجب ونصر أبو زيد يحاول أن يبدو واحداً منهم إذ يرى: أن الإيمان قد ضاع لصالح الحركية، ومع ضعف الإيمان قوى التطرف وصار التدين شكلياً، وهذا ما جاء فى محاضرته عام 2005 فى المؤتمر السنوى للجمعية الفلسفية المصرية.. إنه يبحث عن جوهر الدين وهو يؤكد ذلك إذ يقول:
يجب التحرر من سلطة النصوص بالتركيز على كلمة سلطة، لا بالتركيز على كلمة نصوص، السلطة قيمة مضافة لفعل التفكير الإنسانى.
أبوية النصوص هى أبوية السلطات التى تتبعها، وحضن النصوص هو حضن السلطات التى تستتر وراءها، كل هذا يحتاج لتفكيك، يبقى الإيمان الحر هو الحماية الحقيقية، أعنى الإيمان الذى هو العقد- من هنا كلمة عقيدة- بين الفرد أو الجماعة وبين نصوصها المقدسة، دون وساطة أو سلطة بما فيها سلطة المثقف أو المؤول.
وفى تقديرى أن هذا هو جوهر الإسلام، وهو ينفى نفسه كأحد المفسرين للفقه الإسلامى خارج العلاقة بين الفرد أو الجماعة ونصوصها التى يعترف بأنها مقدسة.
إن وجهة نظر أبو زيد تبدو سياسية فى جوهرها أكثر من كونها دينية، وكلامه السابق يعتبر نوعاً من الاستدراك لعدد من العبارات الغامضة التى وردت فى بعض كتبه وخاصة كتابه فى نقد الخطاب الدينى.
وانظر إليه ماذا كان يقول لتعرف أنه مارس الاستدراك: آن الأوان للمراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان فى عالمنا.
لقد حاول تفسير سلطة النصوص لا فى النصوص ذاتها بل فى الجماعة القائمة على تفسيرها وتأويلها، واستخدامها للهيمنة الأبوية.. دعنا نلتمس له حق الشرح والاستدراك، ونتمهل مع الشريعة السمحة أكثر من مرة قبل أن نوافق على كونه الكاتب المرتد.
دعنا نتأمل ونحقق فى اتهام جلال كشك لأبوزيد بالوقوع فى خطأ تاريخى فى كتابه عن الإمام الشافعى، فكشك لا يتهمه بالكفر، بل بالخطأ العلمى، إذ يرى أن الإمام الشافعى فسر كثيراً من تفسيراته لصالح الدولة الأموية، بينما جاء عمل الإمام كله بعد زوال تلك الدولة، هكذا يكون الاختلاف المعرفى.
بل دعنا ندعوه إلى استخدام لغة أدق لا تضع المثقف المستنير الحداثى فى دائرة الاتهام بالكفر، دعنا نذكره بأن الكاتب الذى لا يرى طبيعة تكوين الإطار المرجعى للقارئ يظلم نفسه وعمله قبل أن يحقق لنفسه إنجازاً فى مجال الفكر الإنسانى.
أقول هذا وأنا أنظر لرحلة المفكر المصرى الكبير بكل تقدير، كيف تحمل المناخ الجامعى العدائى فى مصر بظروفه الاقتصادية، وبتربص الزملاء وبشهوة الأصدقاء للسخرية قبل نهم الأعداء للانتقام، أنظر لإنتاجه الفكرى الغزير فى ظل ظروف عامة ضاغطة، لأتأمل نموذجاً نادراً للأستاذ الجامعى المتوفر على عمله الأكاديمى، أذكر من كتبه «الاتجاه العقلى فى التفسير»، «فلسفة التأويل»، «مفهوم النص.. دراسة فى علوم القرآن»، «إشكاليات القراءة والتأويل، «نقد الخطاب الدينى»، وغيرها.
ومن ترجماته كتاب «السيميوطيقا» وهو مرجع رائد شاركته فيه سيزا قاسم، ويعد من أوائل ما تمت ترجمته عن علم العلامة «السميوطيقا» فى مصر والوطن العربى.
المشكلة هنا تكمن فى أن شهرته العامة لم تأت من قراءة الجمهور لكتبه وترجماته، بل من الجدل الغامض حول تكفيره وتفريقه عن زوجته.
والحق أن الإسلام يحتاج لتعاون وثيق بين علماء الدين وعلماء التأويل بمعناه العلمى، لتجديد شباب فقه الأمة فى علاقته بالمجتمع الحديث والمجتمع ما بعد الحديث فى مصر والوطن العربى والعالم أجمع، وعليه فقرار المنع نوع من مصادرة هذا النوع، أفكار نصر حامد أبوزيد تحتاج للنقاش، ولذلك دعته جمعية تنوير الكويتية، أما المنع والتكفير فهما استمرار لمسلسل جهنمى نتمنى أن تكون تلك الواقعة هى الحلقة الأخيرة فيه.
فقد صار قاسياً على العقل العام وعلى السعى نحو صيغة حقيقية للمجتمع المدنى. ونعود للأصل الذى تحتاجه علاقة الإسلام بالحداثة وبالتطور المتلاحق الذى يعيشه الإنسان المعاصر مع العالم من حوله، وهو مبحث التأويل، وبعيداً عن نصر حامد أبو زيد أود أن أعيد للتأويل شرعيته العلمية والموضوعية التى لا تتنافى مع حقائق الإيمان.
فالتأويل أو الهرمنيوطيقا علم معاصر فى تفسير النصوص، وقد جاء فى الأصل من علم اللاهوت المسيحى، وانتقل لدوائر أوسع تشمل كل العلوم الإنسانية كالتاريخ وعلم الإنسان «الأنثربولوجى»، وفلسفة الجمال، والنقد الأدبى والفنى، والتأويل كعلم معاصر يناقش تأويل وتفسير النصوص عبر تعدد القراءات، فالنص الواحد يحتمل عدداً لا محدود من وجهات النظر ، فى عالم أصبح لا يؤمن بالحقيقة الواحدة، ولا يثق فى أقوال هؤلاء الذين يعتقدون أنهم على صواب ويمتلكون وحدهم الحقيقة المطلقة، هو عالم يؤمن بالتعددية الفلسفية والسياسية والمذهبية، ويمكن معه إعادة قراءة كل ما هو ثابت مستقر من منظور جديد.
علماء التأويل هم التعبير المعاصر عن تعدد القراءات والتفسيرات فى ظل عقل إنسانى حر وخلاق، لا أنسى أبداً القول المأثور: «لا تنه عن فعل وتأتى بمثله»، فأقول مؤكداً أن الله عز وجل هو الحقيقة الوحيدة المطلقة الأزلية الأبدية، وهى حقيقة لا تتناقض أبداً مع حرية التأويل والتفكير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.