انضم أمس الدكتور محمد البرادعى إلى طابور "الشتامين" الذين فقدوا أعصابهم وبقية أخلاقهم بعد مشاهد المليونية التى ألقمتهم الحجارة والدبش، وأنا قد أعذر الولد المريض عمرو أديب الذى تصيبه الهلاوس كلما أهمل الالتزام بجرعات الأدوية التى وصفها له طبيبه على النحو الذى حدث أول أمس عندما دخل فى وصلة "ردح" شعبى على الهواء ووصف الإسلاميين بالخرفان والسفلة، وهى شتائم تستوجب محاكمة القناة ذاتها التى اتخذها منبرًا لهذه الشتائم والوساخات، ولكنى كيف أعذر البرادعى أمس عندما شتم المتظاهرين عند المحكمة الدستورية ووصفهم بالغوغاء، الآن محاصرة مؤسسات الدولة غضبًا من انحيازها تصفها بالغوغاء، وأين كانت شتائمك يا صاحب نوبل عندما حاصر المتظاهرون المؤيدون لك البرلمان لمنع النواب من الدخول حتى أن بعضهم قفز من فوق السور من أجل الدخول؟ وأين كانت شتائمك يا محترم عندما حاصر المتظاهرون المتوجهون من ميدان التحرير عقب الثورة مكتب النائب العام حبيبك الآن مرارًا من أجل إجباره على الاستقالة؟ وأين كنت يا محترم عندما حاصر الآلاف من المتظاهرين مقر رئيس الجمهورية لمنع دخول المسئولين وضيوف الدولة؟ أليست كل هذه مؤسسات الدولة القضائية والتشريعية والتنفيذية أيضاً؟ هل الغوغائية فقط عندما يكون هذا الاحتجاج ضد رغبتك وإرادتك؟ كان حصار آلاف المتظاهرين أمس للمحكمة الدستورية مطالبين بحل المحكمة وتسريح أعضائها محزناً وكئيبًا، ولكنها مجرد محطة فى طريق طويل من العنف السياسى بذر بذوره آخرون، وليس الإسلاميين، والبرادعى نفسه متهم بتفخيخ الحياة السياسية الآن وشحنها بالعنف والشتائم والتهييج والعمل وفق منطق لى الذراع، وإعلام الفلول متهم أول فى تفخيخ الحالة السياسية ووضع قنابل العنف فى كل تفاصيلها والتحريض على العنف والغضب والإثارة والشتائم حتى أن مقدمى البرامج طرحوا جانبًا فكرة أنهم إعلاميون، وتحولوا إلى نشطاء سياسيين عبر الفضاء يخوضون معركة سياسية لصالح بعض القوى ضد قوى أخرى مستخدمين كل وسائل الإكراه المعنوى والتضليل والتزييف والبذاءة أيضًا، والقضاء نفسه متهم بأنه متورط فى إشاعة العنف والكراهية والعمل وفق معارك كسر العظم، هل نسينا هتافات القضاة فى جمعية أحمد الزند؟ هل نسينا أن الآلاف منهم كانوا ضباط مباحث وأمن دولة قبل أن ينقلهم ممدوح مرعى إلى سلك القضاء وفق مخطط مبارك فى التخريب المنهجى لمؤسسة العدالة؟ هل نسينا المستشار أحمد الزند وهو يهدد رئيس الجمهورية ويتصور أنه يكسر عينه وذراعه ويتوعده ويلوح له بأصابعه باستخفاف وصبيانية أمام شاشات الفضائيات بأن عبد المجيد محمود باق فى منصبه حتى 2016؟ هل هذا المستوى من العنف والكراهية يمكن أن يثمر إلا ما شاهدته عند المحكمة الدستورية؟ هل يمكن تجاهل حقيقة أن بعض رجال القضاء يدينون بالولاء لعهد مبارك؟ وأن العالم كله يرى ذلك وليس نحن فقط؟ وننقل يوميًا تقارير الصحافة الغربية ومراكز الأبحاث هناك التى تتحدث عن "قضاة مبارك" و"رجال مبارك" فى القضاء؟ هل كان هذا من عندنا يا سيد برادعى؟ هل يمكن تجاهل أن المحكمة الدستورية أصبحت مطعونة فى شرعيتها الشعبية وأصبحت متهمة بأنها جزء من صراع سياسى وأن فكرة أنها جزء من مؤسسة العدالة لم تعد مطروحة على الإطلاق؟ هل يمكن أن نتجاهل بعض قضاتها وهم يتجولون على الفضائيات يهاجمون رئيس الجمهورية ويشتمون فى الأحزاب الإسلامية، ثم إذا حاصرهم المتظاهرون غضباً من فرط الإثارة والاستفزاز نقول أنها غوغائية واعتداء على القضاء؟ هل يمكن أن نتجاهل أنها عمدت إلى تدمير مجلس الشعب المنتخب رغم قدرتها على تفادى هذا الفراغ التشريعى بسهولة، لمجرد النكاية فى تيار سياسى شتمه رئيس المحكمة علناً فى بيانه قبل أيام بدون أدنى خجل؟ هل ننسى ما نقلته صحف عالمية من اعترافاتهم بأنهم تعمدوا حل مجلس الشعب من أجل الإطاحة بالأحزاب الإسلامية وتمكين الجيش من تشكيل جمعية تأسيسية للدستور على مزاجهم ولا تمس مكانهم ومصالحهم؟ لا نضحك على أنفسنا، ولا يضحك علينا ولا على نفسه الدكتور البرادعى، الصراع الآن ليس قانونيًا ولا قضائيًا، هو صراع سياسى، وعندما ينزل القضاة إلى ساحة الصراع السياسى، ويلعبون سياسة، فإن عليهم تقبل مواجهة الآخرين لهم بأدوات الصراع السياسى، ولن تنتهى هذه الفوضى إلا بإنجاز الدستور الجديد واستكمال مؤسسات الدولة التشريعية، ولكن المشكلة أن البرادعى وحلفاءه لا يريدون ذلك، لأنهم باختصار ووضوح، يعرفون أنهم خاسرون عند الاحتكام إلى الشعب.