يملأ الشاعر عبد الرحمن الأبنودي اليوم الدنيا ضجيجًا عن التيار الإسلامي وخطره على مصر، في كل الصحف والقنوات التي يمتلكها الفلول الذين قامت ضدهم ثورة يناير بعد شيوع فسادهم الذي زكم الأنوف، ومن ضمن ما قاله إن عبد الناصر بنى مصر وإن الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي سيجعلون من مصر خرابة، قال ذلك دون يمر أربعة شهور على تولي الرئيس مرسي لمهام مسئولياته، وهو الذي جاء بانتخابات نزيهة شهد له القاصي والداني، يبدو أنه لا يحترم إرادة الشعب، هو فقط يحترم إرادة البيادة وإرادة الرائد موافي، وإني أعذره فهو الذي تعود على الخنوع للأنظمة الفاشية المستبدة، هل جربت يا سيد أبنودي يا من تعاونت مع شعراوي جمعة وزبانيته الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد - نتائج النظام الحالي بعد أن تنتهي مدته.. والحقيقة أن الأبنودي وأشباهه يمثل جيل الميثاق الذي استعان بكل دعى، وزج في السجون بالمخلصين الذين لم يبخلوا عن العطاء بلا مقابل وبنفس راضية، ففي الوقت الذي كان فيه الأبنودي يذكر - بالخير طبعًا - عند شمس بدران، وشعراوى جمعة، والعصابة التي كانت تحكم مصر، وتستنزف مواردها على صنع زعامة زائفة، ونرجسية بغيضة انتهت بأكبر نكبة فى تاريخ مصر الحديث، وهي هزيمة 1967، وكان الأبنودي ورفقاؤه جزء منها. وحدث أن سجن الأبنودي بضعة أيام، وذهب إلى السجن الحربي وكان يعامل معاملة خاصة، ويُشترى له كل شيء، ويدخل إليه كل ما يتمناه، بينما كان أبناء التيار الإسلامي يأكلون "سوس مفول وليس فول مسوس"، وقابل الشيخ كشك هناك، وقال له الأبنودي: والله هذه البلد لا تستاهل أن يقدم لها خدمات، فقال له الشيخ: وماذا قدمت لمصر؟ فقال له: ألا تعرفني؟ فرد عليه الشيخ: نحب نتعرف، فرد عليه: أنا الأبنودي مؤلف أغنية "تحت الشجرة يا وهيبة"!!، وحول حادثة سجنه أنه ما ترك مناسبة إلا وذكرها، كأنه المستشار حسن الهضيبي، والمستشار علي جريشة، وصلاح شادي الذين أمضوا ربع قرن خلف القضبان، مع أن البعض يشكك في جدية سجنه، ويعتقد أنه كان في مهمة خاصة لشعراوي جمعة، والله أعلم !! لا أنسى أيها الأبنودي عندما شاهدتك في التليفزيون، وأنت تتزلف للفرعون مبارك أثناء تفقده لسيول درنكه بأسيوط في التسعينيات، ففي عز الأحزان والأهوال والخسائر التي تعرض لها سكان هذه البلاد فوجئ الجميع بقولك للرئيس مبارك: "الصعايدة يا ريس أيديها نِعْمت، وعايزة الحكومة تعمل لها كل شيء)، فتبسم مبارك من قوله، وطلب من زكريا عزمي تدوين اسمه في دفتر المحظوظين، وضمه الوزير الفنان في زمرة الحظيرة الثقافية، فتح له الرائد موافي القواد استوديوهات ماسبيرو فصار يرتع فيها طوال الوقت، وما هي بضع سنوات حتى منحه مبارك جائزة الدولة التقديرية، وجائزة مبارك في الأدب، وأصبح يسأل عنه ويطلبه في كل مناسبة، وجعله يسافر على حساب الدولة للعلاج بالخارج، وكان الأبنودي يرد الجميل، فيشيد بصاحب الضربة الجوية في الحفلات الأسطورية التي كانت تقام بمناسبة حرب أكتوبر التي كانت تتكلف مئات الملايين من الجنيهات، وأسالوا سمير فرج، وأحمد أنيس، كان ريعها تذهب لمئات الفنانين الذين كانوا يشاركون فى هذه الحفلات مثل: عمار الشريعي الذي لحن لمبارك أغنيات من عينة "اخترناك"، و"أديها كمان حرية"، و"يا مبارك يا حبيب الشعب"، و"النسر المصر شق السما"، وعندما تيقن له أن مبارك راحل بلا عودة ذهب إلى ميدان التحرير، وندد بمظالم العهد البائد وجرائم مبارك، مثلما فعل المئات من المتحولين المنافقين الذين صنعوا مبارك وسطروا عنه آلاف الصفحات. ينبغي للشعب المصري الطيب المسالم أن يعرف حقيقة هؤلاء وتاريخهم الحقيقي في الماضي والحاضر، ولا أنسى عندما حضرت ندوة للأبنودي في معرض القاهرة الدولي للكتاب منذ خمس سنوات، وفي سراي 6، استقبله شاب وبحسن نية قال له: "مرحبًا بالشاعر الكبير"، واسترسل في كلام يدل على مظاهرة حب له، فما من الأبنودي أن قاطعه ونهره قائلًا : "اقعد يا ابني، إيه الليلة المطينة دي"، وكان الأجدر أن يمنعه بأسلوب راق وهو الشاعر الكبير صاحب الإحساس المرهف!!، ولم يتحدث أحد في هذه الندوة إلا الأبنودي ونرجسيته تكاد تحرق المكان، وما قابلت شاعرًا من الجنوب إلا وذكر لي موقفًا سيئًا تعرض له من الأبنودي، منهم الشاعر عبد الستار سليم الذي قال لي: "عبد الرحمن الأبنودي سطا على تراث الجنوب ونسبه لنفسه"، وحتى السيرة الهلالية التي طبعها في ثلاثة مجلدات فاخرة كسب من ورائها الكثير، وأعادت طباعتها له "ماما سوزان" في مشروع مكتبة الأسرة، كما طُبع له فى هذا المشروع معظم كتبه، ولم يزد الأبنودي في السيرة حرفًا على كلام "جابر أبو حسين" - شاعر السيرة الهلالية الشهير -، الذي سجل معه السيرة في حلقات أذاعتها إذاعة الشعب، ولم يذكر الأبنودي أي فضل لعم جابر في كتابه المذكور، نسب كل شيء لبنات أفكاره، وعبقرية نظمه، وهناك أغنيات في مسلسل "ذئاب الجبل" نسبها الأبنودي لنفسه مثل أغنية: (ولابد من يوم محتوم، تترد فيه المظالم، أبيض على المظلوم ..أسود على كل ظالم) فهي من تأليف الشاعر المصري الشعبي القديم "ابن عروس" صاحب المربعات الشهيرة، كل هذا وأصدقاؤه من النقاد يجاملونه ويغضون الطرف عن هذه السلبيات.. حتى إخوته ضجوا منه بالشكوى، فلقد ذكر لي شقيقه المرحوم الشاعر كرم الأبنودي في مؤتمر إقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافي المنعقد في الغردقة سنة 2006، أن أخاهم لم يهتم بهم ولم يذكر أي شيء عن مواهبهم، ولقد نال تجاهله أخوه الأكبر الشاعر العظيم جلال الأبنودي الذي تعلم عبد الرحمن على يديه، فهو يكبره بنحو خمسة عشر عامًا، ولما سمع عن سوء أخلاقه وأفكاره الماركسية، لم يسمح له بدخول منزله في القصير أو الغردقة حتى رحيله سنة 2001، والعجيب أن عبد الرحمن لم يحضر جنازته، ولم يشارك في عزائه، لأن الشيخ جلال تخرج في الأزهر، وعلى يديه تعلم المئات في إقليم البحر الأحمر، الذي أسس فيه نهضة أدبية زاهرة ما زالت آثارها موجودة للآن، كان يكره الأفكار المارقة والغريبة ويعتز كثيرًا بالأدب العربي الأصيل والحضارة الإسلامية الزاهرة، وحتى والده الشاعر الكبير محمود الأبنودي لم يسلم من تجاهل عبد الرحمن، فقد ذكر لي المرحوم كرم أيضًا أن عبد الرحمن اتصل به ذات يوم طالبًا منه ديوان الوالد، لأنه كان يعد أوبريت لليلة المحمدية في الاحتفال بالمولد النبوي سنة 1990، فبعث إليه بالديوان، ويفاجأ كرم الأبنودي عند مشاهدته للأوبريت في التلفاز أن الأشعار التي كان يلقيها محمود ياسين، وسميحة أيوب هي أشعار والده التي نسبها عبد الرحمن لنفسه، ولم ينوه إليها في تتر الأوبريت، وهناك أشياء يضيق المقام عن ذكرها. [email protected]