لم أتمالك نفسي وأنا أجلس في الكوشة بجوار العريس بعد أن سمعت الزغاريد تنطلق فقمت أنا أيضا بإطلاق زغرودة فرح حقيقية فقد أتم المأذون مهمته وأعلن زواجي , جاءت أمي مسرعة تنهاني عن تلك الحماقات فلا يليق بالعروس فعل ذلك , ردت أبله نوال جارتنا المثقفة ( اتركيها يا أم زينب تعبر عن فرحتها نحن في عصر ما بعد الحداثة ) نظر إليها زوجها حانقا , الحمد لله لن يشكو زوجي مني فلست مثقفة مثلها , جاءت تانت عديلة تبارك لي وهي تنظر بازدراء لزوجي لعلها لاحظت أنه قصير القامة غامق اللون ضعيف البصر , همست لها ( ليس وسيما ولكنه لن يرهقني بمكابدة الغيرة عليه ) تنهدت من الأعماق ( عندك حق ربنا يسعدك يا ابنتي ) جاءت الأستاذة بهيجة زميلتي في العمل تسبقها ضحكاتها الصافية ويتعلق أطفالها بذيلها قالت ( لاتفعلي مثلي ) قلت (سأفعل أسوأ منك أريد عدد لا نهائي من الأطفال ) ردت زميلة أخري من المهنئات ( تعتقد البنات أن الزواج والإنجاب أمرا سهلا و أؤكد لك أن الحقيقة غير ذلك) قلت لها بمزيد من المرح ( لذلك تزوجت حتي اعطي للبنات مثل هذه النصائح) لا أدري من أين جاء كل هذا الكلام علي لساني وأنا التي أعاني طول عمري من صعوبة التعبير عن النفس , أتذكر وأنا في المدرسة حين طلبت المعلمة موضوع تعبير عن رحلتنا لحديقة الحيوان وأخذت تشرح وتتكلم ثم تركتنا نكتب , وبعد دقائق كنت أول من تقدم منها بكراستي وقرأت ما كتبته (ركبنا السيارة وذهبنا لحديقة الحيوان لعبنا وشاهدنا الحيوانات وعدنا) نظرت لي في استياء وقالت ( أنت عبقرية , اجلسي مكانك )كنت أشعر بالظلم فلم يحدث أكثر مما كتبته . أنا عروس في الخامسة و الثلاثين ولست فتاة صغيرة , كدت أيأس من الزواج وألغي الفكرة تماما بعد أن تقدم لي سائق شاحنة جاهل وأرمل ولديه أطفال ويريدني مربية لهم وبالرغم من ذلك ألحت أمي علي بقبوله وهي تقول لم تعد أمامك فرصا أفضل , أصررت علي الرفض لكني استيقظت من أحلامي علي حقيقة وضعي , هأنا أخطو نحو الأربعين بخطوات حثيثة , ويبدو أنني منذ زمن وأنا حبيسة المنطقة الرمادية وسط طابور العوانس , تلك المنطقة التي يتجاهلها الجميع وتترك فيها الفتيات حتي يموتوا بغيظهن , تذكرت أن سنينا طويلة مضت منذ حصولي علي الدبلوم وعملي بإحدي الشركات , وأن احتياجات جهازي التي كنت اشتريها بفرحة من راتبي في البداية قد علاها التراب وأصبحت موضة قديمة , وأن أحلامي تجمدت وتكسرت أجنحتها علي صخور الواقع سلمت أمري لله حتي جاء الفرج من حيث لا أحتسب, قريبة لأبي توسطت لرجل أربعيني سرقته الغربة فلم يتزوج أرشدته لفتاة ولم توافق عليه فتذكرتني وكنت أنا العروس البديل ولما كان الرجل في عجلة من أمره ويريد إتمام الزواج والعودة لمقر عمله فقد تم الأمر بسرعة فائقة و هكذا تزوجت . تفكر الفتاة الصغيرة في الزواج بطريقة مختلفة فهي تهتم بالشكل والمشاعر والحب وتلك الأوهام ,أما العروس الناضجة مثلي فقد ذبلت وسقطت أوراقا كثيرة من شجرة أحلامها ولم يبق سوي جذع الشجرة نفسه , فأنا أريد الزواج ممن يوافقني ونؤسس سويا بيتا وننجب أطفالا ونعيش الحياة مع طرف آخر يهتم ويحنو , هناك سبب آخر هو أن أتخلص من عبء الانتظار ومن لقبي الكريه عانس, هل مررت بتجربة الانتظار لوسيلة مواصلات وبعد الملل والتعب وآلام الجسد وهم الترقب تلقي بنفسك في أول حافلة توصلك بيتك دون شروط ؟ أعرف أن الزواج ليس نهاية المتاعب وأحيانا يكون بدايتها ولكنه بالتأكيد بداية الحياة وخير للمرء أن يخوض تجربته بحلوها ومرها من أن يظل واقفا متسمرا في مكانه مكتوف الأيدي يراقب الناس يسبحون ويلاطمون التيار ويكتفي بدور المتفرج اليوم فقط نزلت بحر الحياة باركوا لي وادعوا لي أخيرا تزوجت .