دعني أبتعد قليلًا عن التوتر، وهم السياسة، وألاعيب الفلول، ونذالة كثير من الرموز التي خيبت ظن مصر فيها، وخسة كثير من الإعلاميين القابضين على (الملايين)، لنتذكر معًا قضية نحن في مسيس الحاجة لها أيامنا هذه.. فاصبر على أخيك.. لعلك تُسلم معي قارئي الكريم بأن الرجولة كلمة تخرج من فم صاحبها فترفعه أو تُخفضه/ تُعزه أو تُذله/ تحُييه أو تمُيته.. لكن هل تعلم أيضًا قارئي الغالي أن الرجولة تتحدد أيضًا من موقف واحد/ سلوك/ تصرف؟ هل تتصور معي أن موقفًا واحدًا يضع ابن آدم في خانة الفرسان أو الخونة/ أصحاب المبادئ أو السماسرة/ الشرفاء وِوْلاد القديمة؟ وليس الموقف مرتبطًا بإيمان أوكفر، علم أو جهل، غني أو فقر، ورجولة أو أنوثة؛ فكم من امرأة وقفت مواقف تضعها فوق رأس أتخن شنب! وكم من كافر نبيل، وقف موقفًا تخاذل عنه مسلم غبي، وكم من فقير أثبت أنه أغنى بمروءته من ملياردير زي بيل جيتس، وأوناسيس، وعبد السلام البسيوني، بموقف رفض فيه أن يبيع شيئًا من أخلاقه أو مبادئه أو دينه.. كم من إنسان يدعي الرحمة وقلبه أقسى من الصوان، أو يتظاهر بالجود ويده لا تبض قطرة، أو يزعم وهو أبو الظلم والافْتِرا، أو أنه عنترة بن شداد وهو يبول على نفسه إذا سمع صيحة! أتأمل موقفًا لامرأة نبيلة من عمات النبي صلى الله عليه وسلم هي أم هانئ بنت عبد المطلب رضي الله عنها، وهي تحمي رجلًا كافرًا من أحمائها، وتستره بنفسها، لتحميه من القتل، ويبلغ الأمر للمصطفى صلى الله عليه وسلم فيقول لها: قد أجرنا من أجرت، وأمّنا من أمّنتِ يا أم هانئ! وأتأمل إكرام الله تعالى لرجل لم يعمل في حياته خيرًا؛ إلا أنه كان ذا موقف كريم من المدِينين الذين يشق عليهم أن يسدوا الدين في الموعد، وكان يملك رحمة في قلبه تجعله يُنظرهم، ولا يشق عليهم، فغفر الله تعالى له بذلك! وأتأمل رحمة الله تعالى امرأة فاسدة (بغيًّا من بني إسرائيل) دخلت الجنة على موقف مع كلب، حين رأته يلهث من العطش، فرحمته وسقته، فغفر الله لها؛ رغم أنها كانت بغيًّا! تصوروا؟ وأتأمل غضب الله تعالى على موقف امرأة دخلت النار بسبب قطة، حين جوعتها، حتى ماتت، فأدخلها الله النار! مواقف وحيدة نفعت أو أضرت بأصحابها في الدنيا والآخرة! فهل نستهين بالمواقف؟! بعض الكفار - في القديم والحديث - قاموا بمناصرة الإسلام بشكل أكثر من رائع ومبهر، ووقفوا مواقف أشرف وأنبل من مواقف كثير ممن يحملون أسماء إسلامية وهم يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا: بِن ليفنجستون عمدة لندن الذي واجه شرشحة اللوبي اليهودي دفاعًا عن القرضاوي/ جورج جالاوي البرلماني الجريء/ روبرت فِسك الصحفي الثابت/ بول فندلي السناتور الجبل/ إيفون ريدلي/ زيغريد هونكه/ مراد هوفمان وغيرهم مئات! هل تسمح لي قارئي الكريم أن أُذكّر حضرتك ببعض المواقف القديمة النبيلة التي تعكس كم يساوي الإنسان إذا وضع على المحك: ** صورة غير غريبة حين يستخدم الباطل الإعلام لتلفيق الأكاذيب وتشويه الحقائق، وتبرير الظلم والعدوان، لكن الرجولة تظهر في مثل موقف أبي سفيان حين كان من أشدّ الناس عداوة للمسلمين، يقود حملات الحقد على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد وُضع في موقف يحتاج فيه أن يثبت أنه رجل موقف. وقد نجح؛ فإنه أجاب بالحق الذي لا شائبة فيه، لما كان في بلاط هرقل، حين سأله عن (عدوه) محمد صلى الله عليه وسلم.. فحافظ على رجولة موقفه، فلم يلفق، ولم يُفحش، ولم يخالف ما في قلبه، ولم يقل في محمد صلى الله على وسلم ما يقال في القطط الفطسانة، ولم يُرد أن تؤثَرَ عنه كذبة تعيّره بها العرب! ** كانت الأرض تتنكر للمسلمين وتتآمر عليهم، يوم كانت قريش تبرم صحيفة جائرة لمقاطعة المسلمين - على طريقة الحصار الاقتصادي بتاع الأممالمتحدة والمقاطعة الدولية على كثير من بلاد الله - وحبسهم في الشِّعب، حيث العزلة، والجوع، والحاجة والحصار، لينهض خمسةُ شبان ذوو مروءة من الكفار، ساعين في نقض الصحيفة الجائرة، ولا يهدؤون حتى يزيلوها، لأنهم رأوا أن من عدم الرجولة والشهامة أن يشبعوا هم ويجوع أبناء عمومتهم، أو أن يأمنوا ويفزع أولئكم، وإن كانوا مخالفين لهم في المعتقد والرأي، مواجهين للنظام العام آنذاك! ** وعلى حين يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم، تاركًا وأصحابه وراءهم نساءً وأطفالًا وشيوخًا وعجائز، لم يكونوا يخشون أن يعتدى عليهم معتدٍ، ولا أن يستبيح حرماتهم مستبيح، ولا أن تهجم عليهم مجموعة من البلطجية والحشاشين وعديمي الأصل، لهتك أستارهم، والفتك بنسائهم، وتجريس مسنّيهم، وتجويع أطفالهم الرضع حتى الموت، والنكاية بهم بأفظع ما يطيقون من النكاية! ** وعلى حين يخرج الصّديق رضي الله عنه أول مرة مهاجرًا، يقابله ابن الدُّغُنَّة - الكافر - فيثنيه عن عزمه على الخروج، ويقول له: مثلك يا أبا بكر لا يخرج، ويُجيره ويحميه. ** حتى هند بنت عتبة – رضي الله عنها – على شدة خصومتها للنبي صلى الله عليه وسلم قبل إسلامها، حرصت جهدها على أن تواسي الزهراء فاطمة رضي الله عنها لما أرادت الهجرة، وسألتها إن كانت تحتاج شيئًا - في هجرتها - مما تحتاج النساء؟!! مواقف كثيرة، قد أسعى لاستقصائها يومًا- إن أراد ربي تبارك وتعالى – لكن سامحني اليوم أيها الكريم؛ فالمساحة تحكمني، ومضطر أنا للسكوت عن الكلام المباح؛ حتى يدركني إن شاء الله تعالى عدد جديد، أواصل فيه بث همي وشكوى حزني.. أُحبك في الله..