الكثيرون يستفسرون عن النظام السياسي الإسلامي أو بمعني أكثر دقة كيف سيستطيع الإسلاميون إن وصلوا إلي السلطة إدارة الدولة ، وهم يظنون أن الإسلاميين سيغيرون كل شئ في دولهم ، والحقيقة أن التشريع الإسلامي فيه قواعد أصولية تأخذ في الاعتبار العرف والعادة واستصحاب الأصل ، أي استصحاب أصل ماهو قائم وأخذه في الاعتبار والحكم وليس القطع مع كل شئ كان قبلهم ، وهل هناك ثورة أكبر مما جاء به الإسلام إلي البشرية ، ولكنه حين تعامل مع الواقع الجاهلي أبقي علي الصحيح منه ونبذ الباطل ، في ا لبيع والشراء حرم الربا ، وفي الزواج حرم الزنا ، وفي التحالفات حرم الظلم ، وفي العلاقة بين الناس حرم التعصب للعرق والدم وسماه جاهلية ، وفي العلاقات بغير المسلمين حرم الغدر ، وهكذا . وفي الحرب كما نعلم كان المسلمون لا يعرفون حفر الخنادق حول المدن ، ولكن حين أشار " نعيم بن مسعود " علي النبي بذلك أخذ به ، فاستفاد من خبرات الأمم الأخرى ، وحين قيل للنبي صلي الله عليه وسلم إن الرسل لا تقرأ إلا الكتب المختومة اتخذ خاتماً ، وحين اتسعت الدولة الإسلامية وفتحت الفتوح وانتشر الإسلام سمحاً جميلاً ، واجه الفاتحون مشكلة تنظيم هذه الدولة المتسعة الكبيرة . ونشأ علم أصول الفقة الذي قعد له الشافعي وأستاذه محمد بن الحسن الشيباني تلميذ الإمام أبي حنيفه الإمام الأعظم وهو كذلك فعلا ، ونشأت علوم العربية واللغة والأدب ، وعلوم الفقه وغيرها وصرنا بإزاء عالم الإسلام يتشكل بكل مايحمله من خبرة وثورة قلبت الموازين الفكرية والاجتماعية رأساً علي عقب . المشكلة أن الذين يفكرون في قضايا الدولة الإسلامية يفكرون بها بعقلية الحركة الإسلامية وليس بعقلية الدولة ، وهناك فرق كبير بين الأمرين وبعد عظيم أبعد من المشرقين . فالدولة تحتاج إلي التوسعة والخيال ، وتحتاج لإعمال قواعد الأصول ، والتوازن بين الثابت والمتغير وبين الخصوصية والعمومية . النظام السياسي الإسلامي هو نظام منفتح ومفتوح علي كل الخبرات التي صنعتها البشرية ومن هنا فهو يقبل بالتعددية لأنه جزء أصيل منه ، فالتعددية في الفقه وفي الفكر وفي القوي الاجتماعية والسياسية كانت سمة رئيسية للحضارة الإسلامية ،ومن ثم فهونظام يقبل المعارضة ، ونظام يقبل التعددية السياسية ونظام يقبل الأغلبية ونظام يقبل الاختيار ضمن الثوابت والقواعد المرجعية التي تحدثنا عنها والتي تحترم الوحي وما أطلقنا عليه " السلطة المؤسسة " ( بكسر السين) ومن بعد ذلك الأمة عندها الاختيار وعندها الشوري وعندها أهل الخبرة وعندها أهل العلم يمكنها أن تختار وتقرر وتوازن . لكن المعضلة الكبيرة هنا هي الممارسة ، بمعني أن الأمة حرمت حقها في الممارسة السياسية وحرمت حقها في المشاركة وحرمت حقها في الاختيار وحرمت حقها في الرقابة . وقام بذلك النظم الاستبدادية والدول العلمانية التي جاءت بعد الاستعمار . نحن في مرحلة تحول مهمة وعلي ا لشباب المسلم أن ينخرط بكل قواه مع قوي التغيير والإصلاح ، ولابد من أن يكون هناك لنا تجاربنا ونضالنا الحركي والعملي . اكتفي بهذا القدر حول النظام السياسي الإسلامي لأن المهم هنا هو متابعةمايجري من أحداث يومية تحتاج منا لإطلالة عليها . [email protected]