تحولت حملة الدعاية لمرشح الحزب الحاكم في مصر لانتخابات الرئاسة الي ما يشبه اللهو الخفي، فحسب معلوماتنا ان الإعلامي اللوذعي عماد أديب هو الذي يتولي أمرها، ومعه رهط من شباب الإعلاميين اختارهم بنفسه، ومع هذا فان عماد المذكور نفي ذلك في حوار مع مجدي مهنا بقناة دريم الخاصة، وقال ان هذه الحملة يقوم عليها الحزب الوطني، وهو ليس عضوا فيه! قبل الهنا بسنة، وعندما كان عماد أديب يمهد لحواره (الفلتة) مع الرئيس مبارك، كان قد قيل ان سعادته هو من سيتولي حملة الدعاية للرئيس، وان هذا الحوار الذي حمل اسم (كلمة للتاريخ) هو باكورة أعماله، وهو أمر لم ينفه الإعلامي المرموق في حينه، بل كان حريصا علي تعزيزه بما يؤكده، فقبل هذا الحوار استضافه برنامج (البيت بيتك) وفجر مفاجأة للمشاهدين باستضافته للرئيس مبارك هاتفيا، وهو أمر أكد انه من أهل الحظوة، وان هذه الاستضافة يمهد بها لعمله الجديد بالقصر الجمهوري! وعلي الرغم من ان الجميع وقفوا علي ان عماد هو مدير الحملة الانتخابية للرئيس، إلا انه لم ينف ذلك قط، وترك الأمور تجري في أعنتها، تماما كما ترك الصحف القومية، والحزبية والخاصة من بعدها، تعيد وتزيد، وتلت وتفت، في المفاجأة التي سيفجرها الرئيس مبارك في حوار الساعات الست، وانه يدخرها في الإجابة علي السؤال قبل الأخير، مما جعلنا معشر المشاهدين نقف علي أطراف أصابعنا ونحن نستمع للحوار ونشاهده، في انتظار الحدث الجلل، وبعد ان اكتشفنا اننا أخذنا (بمبة)، وانه لا مفاجأة هناك ولا يحزنون، طلع البدر علينا، ممثلا في الأستاذ عماد، مندهشا لاندهاشنا، وكيف انه لم يعد بالمفاجأة، وبدا من اندهاشه ان ما قيل في هذا الجانب هو بفعل فاعل، هدف الي إفشال حواره، وإذا كنا لم نستبعد ان يكون الحرس القديم في الحكم، قد عز عليه ان يفوز باللذات كل مغامر، وان يتولي أمر حملة الدعاية واحد من خارج (البرتيته) او الشلة، فان ما يجعل الحليم حيران، هو لماذا سكت المحاور علي ما نشر، علي الرغم من ان صحيفة الأهرام هي من بدأته، وبالبنط العريض، ولم يكذبه الا بعد ان وقعت الفأس في الرأس؟! ولعل سؤالا يتبادر الي الذهن الآن: لماذا صمت عماد أديب علي ما نشر واستقر في يقين الناس، من انه مسؤول الدعاية الخاصة بمرشح الحزب الحاكم، ولم يفتح الله عليه بالنفي الا بعد ان أوشكت الحرب علي ان تضع أوزارها؟ ومن المعلوم ان المقدمات كلها تؤكد علي هذا، بدءا من استضافته في برنامج (البيت بيتك) واتصاله الهاتفي المباشر برئيس الدولة، وانتهاء بحواره مع الرئيس الذي لم يكن لقناة الاوربيت التي يعمل بها، وانما للتليفزيون المصري، وليس في سوابق هذا التليفزيون ان يقوم باستجلاب أحد من خارجه للقيام بعمل لصالحه، يتمثل في حوار مع رأس الدولة، سبق وان حاوره كثير من المذيعين بهذا التليفزيون التليد! هل نفي عماد ان يكون هو مدير حملة الدعاية لمرشح الحزب الحاكم، شبيه بنفيه امر المفاجأة التي يحملها حوار الساعات الست، ام ان النفي يدخل ضمن خطة حملة الدعاية؟ يلاحظ هنا انه منذ أيام انتقد مجدي مهنا في جريدة (المصري اليوم) برنامج رئيس الحزب الحاكم الذي أعلنه عبر قناة دريم الخاصة، ويبدو ان كلامه وقع علي الجرح، وان المسؤولين عن حملة الدعاية هم من اعدوا الخطاب، فأرسلوا الي الصحيفة ردا طويلا عريضا، ومن النوع طويل التيلة، احتوي علي قدر من الردح البين، وبشكل يشعرك ان وزير الداخلية الأسبق زكي بدر هو من كتبه، وهو الذي اشتهر بطول اللسان، واستخدام أسلوب فرش الملاية للمعارضين! ما علينا، فالرد في تجاوزه كان واضحا انه يستند علي سلطة غاشمة، وربما لان القوم ولانهم حديثو عهد في الاقتراب من قوة السلطة، وهي في بلدان العالم الثالث خارقة للعادة، فانهم لا يلامون - لانهم في الاوله في الغرام ان احتدوا او تجاوزا او تصرفوا علي طريقة (ريا وسكينة) في الفيلم المصري الشهير، عندما تزوجت إحداهن بصول في قسم البوليس (احمد بدير)، فغنين: ناسبنا الحكومة وأصبحنا حبايب! هذا ليس موضوعنا، فالموضوع، ان الرد علي طوله وعرضه، جاء خاليا من توقيع كاتبه او مدير الحملة، وكأنه حقيقة اللهو الخفي! حسنا ان نفي السيد عماد أديب ان يكون هو مدير الحملة، فهذا ادعي لان اخذ راحتي، بعد ان قال في حوار قناة دريم ان وزيرا سابقا يحرك بعض فصائل المعارضة ضده، واذا كان لم يذكر اسمه في هذا الحوار، فقد هاجمه منذ أيام في لقاء في الأوبرا وبالاسم، وأيضا دون ان يقول انه وراء المؤامرة. وعلي الرغم من انه لم يذكر اسمه الشريف في دريم الا ان أياً من المشاهدين لم يخطئه، لانه متخصص في هذا النوع من المعارك، وأقصد به النوع السفلي. من حسن الحظ ان بيني وبين هذا الوزير السابق ما صنع الحدادون في مصر والشرق الأوسط، وقد يظن عماد بي ظن السوء، تماما كما حدث من أشقائه السعوديين، والذي اتهمني أحدهم بأنني اعمل لحساب القذافي، بسبب ما ذكرته مؤخرا في برنامج (الاتجاه المعاكس) عن الدور السعودي في رعاية قنوات الهشك بشك، فات الشقيق انني الصحافي الوحيد في العالم الذي يحرص العقيد الليبي علي ان ينكل به عن طريق المحاكم، فقد اقام ضدي دعوي قضائية خسرها أمام المحكمة الابتدائية، فأصر علي استئنافها، فخسرها مؤخرا أمام محكمة الاستئناف، ولا يزال محاموه حريصين علي الذهاب بي لاعلي محكمة مصرية، وهي محكمة النقض، وكأنهم حصلوا علي تفرغ لمواجهتي! منحوس انا، وبالفطرة، فلا طلت بلح اليمن، ولا عنب الشام، فقد انتقدت عماد وخصمه، ولي سوابق تاريخية في هذا النحس، فعندما انشقت الحكومة المصرية الي نصفين، نصف برئاسة رئيس الوزراء وقتها كمال الجنزوري، والثاني بزعامة الرائد متقاعد ووزير الإعلام وقتها صفوت الشريف، كان محسوبكم ضد الطرفين معا، واذا كان صفوت قد استخدم بعض الصحافيين في التنكيل بخصمه، ولم يبادله الجنزوري بذات السلاح، وانما اكتفي بإعداد قائمة سوداء لهم، فقد وضعني في القائمة لساعات عندما قرأ مقالا لي ضده، ثم رفعني منها بعد ساعة وبعد ان اخبره أحد الزملاء بأنني لست من فرقة وزير الإعلام، فعاد للأرشيف ليكتشف انني لست من هؤلاء ولا هؤلاء! دعك من شخصي الكريم، فهل نفي عماد أديب ان يكون هو مدير الدعاية هو لامر يراد، ام انه بالفعل لا علاقة له بها؟! هذا سؤال قد يكون من الشطط الإجابة عليه بالطريقة التقليدية (نعم) او (لا)، فمن المعروف ان حملة الدعاية ليست تقليدية، وهي فضلا عن أنها تضم البعض ممن يجهرون بأنهم أعضاء فيها لانهم مهنيون، وليسوا أعضاء في الحزب الحاكم، فانها أيضا تضم البعض ممن يبدو خطابهم من اول وهلة انهم معارضون! منذ أيام شاهدت أحدهم علي قناة المحور، علي ما أتذكر، وهو يتحدث كما لو كان معارضا، فهو ضد التعديلات التي أدخلت علي المادة 76 من الدستور، ويندد بسياسة القمع، لكنه في الأولي يحمل ترزية القوانين في البرلمان التهمة، كما يحملها للحكومة في الثانية، وهكذا يبدو مرشح الحزب الحاكم بمثابة الرجل (الطيب)، وهي دعاية مفضوحة، لا تنطلي علي أي رضيع ابن يومين، فالجنين في بطن أمه - والذي قالوا في دعايتهم انه يؤيد الرئيس مبارك - يعلم بأن أحدا من ترزية القوانين لا يستطيع ان يقول: بم، اذا قضي الرئيس ونجله أمرا، بل انهم حصلوا علي لقب ترزية القوانين، لانهم تخصصوا في تحويل مطالب النظام الي قوانين، ولا يخجلون ان كانت قد تخلقت في رحم البطلان، وجاءت مخالفة للدستور! ولماذا نذهب بعيدا، فعندما وقف النائب المعارض طلعت السادات في البرلمان مصرا علي ضرورة ان يشترط القانون علي من يترشح لمنصب رئيس الجمهورية ان يكون قد ادي الخدمة العسكرية، وان لا يكون حاملا لجنسية أجنبية، وكانت تلميحاته لا تخطئ العين دلالتها، وقف ضده ترزية القوانين، ثم فجأة عدلوا عن موقفهم، ولم يخجل أحدهم وهو يقول ان الرئيس هاتفه وطلب منه الاستجابة للنائب! وما يقال عن ترزية القوانين، يقال عن عناصر الحكومة الذين لخص أحدهم من قبل دورهم بأنهم مجرد سكرتارية للرئيس، وهو الدكتور يوسف والي نائب رئيس الحزب الحاكم ووزير الزراعة ونائب رئيس الوزراء، وقت ان قال ما قال! إذا كان هذا هو أسلوب المعارضة (الشكلية) في حملة الدعاية للرئيس مبارك، فان المؤيدين منهم يكتفون بالقول بأنهم ليسوا أعضاء في الحزب الوطني، وانهم كتاب كبار، ومع هذا يؤيدون الرئيس! واحدة من الفرقة هذه استضافتها الفضائية المصرية علي ما أتذكر وتعاملت بمنطق ان طباخ السم لا بد وأن يذوقه، فعملت دعاية لنفسها في البداية لتثبت انها صحافية كبيرة، وهذا شيء لزوم الشيء، حتي يكون تأييدها لمرشح الحزب الحاكم له وقعه، ولعلها سعت ان تبرر عدم معرفة الناس لها، وربما أرادت ان تعطي نفسها وجاهة اجتماعية وفكرية، في مجتمعات تسيطر عليها عقدة الخواجة، فقد قالت انها كانت تكتب وب (الإنكليزية).. شخصيا، وتعمل في كبريات الصحف العالمية (لم تذكرها)، ثم عرضت علي أستاذها ان تنشئ صحيفة عربية.. منتهي التواضع طبعا، مع ان سابقة عملها غير صحيحة، ومع ان تحققها بعد ذلك وتستحقه بجدارة حدث بعد ورقة تم تحريرها عند المأذون! سواء كان المسؤول عن حملة الدعاية، والعاملون معه، يتبعون الحزب الحاكم، او انهم ليسوا أعضاء فيه، وسواء كانوا من كتاب العربية، او انهم يرطنون بلغات الطير، وسواء أظهروا أنفسهم للشعب، ام أصروا علي التعامل بأنهم اللهو الخفي، وسواء لبسوا مسموح المعارضة، او تبين انهم أعضاء في لجنة السياسات، فان الامر لا يقدم ولا يؤخر، فربع قرن من الزمان كفيل بأن يجعلنا نعرف الرئيس مبارك كما نعرف أنفسنا. لا تتعبوا أنفسكم! أرض جو نشرت إحدي الصحف ان عماد أديب اشتري أربع قنوات تليفزيونية أرضية دفعة واحدة من وزارة الإعلام، وفي اليوم التالي نفي وزير الإعلام بنفسه ما نشر، فهل الخبر كان وراءه الوزير السابق الذي يخوض ضد عماد حرب تكسير العظام؟ من شاهد عدد القنوات التليفزيونية التي أعلنت الحداد علي الملك فهد بن عبد العزيز، سيقف علي حجم النفوذ السعودي في مجال الإعلام. في الأسبوع الماضي قلت ان الرئيس مبارك وعد بتشغيل 400 ألف من العاطلين، وفي يوم الجمعة الماضي صحح تليفزيون الريادة الإعلامية المعلومة لي، بأن الوعد بتشغيل أربعة ملايين ونصف. الحكومة تقول ان عدد المتعطلين في مصر 2 مليون مواطن. يبدو ان برنامج الرئيس الذي بثته قناة دريم وعد بالقضاء علي البطالة في مصر والسودان! -------------------------------------------------------- صحيفة القدس العربي في 29 -8 -2005