تحت عنوان "تحالف التطرف" ، كتبت في هذا المكان (عدد 4/8) عن المسرحية الهزلية التي "يعلم الجميع نهايتها ، بل وحبكتها أيضا ، حيث سيعلن فوز مبارك بنسبة تتراوح حول 80 في المائة ، وتوزيع النسبة الباقية على أيمن نور ونعمان جمعة حتى تتغنى صحافة النفاق بالديمقراطية." ثم كتب روبرت فيسك مراسل الإندبندنت الإنجليزي المعروف منذ أيام ، ساخرا مما قاله الرئيس الأمريكي بوش عما يحدث في مصر بكونه "علامة أخرى على الديمقراطية في الشرق الأوسط" بجانب العراق ، وتوقع فيسك أيضا أن يفوز الرئيس مبارك بنسبة 80%. وطبقا لما جرت عليه عادة نظام مبارك منذ ربع قرن من طبخ لأرقام المشاركين والمصوتين بنعم في الإستفتاءات والانتخابات ، فلن أدهش إذا فاز الرئيس مبارك بنسبة أقل قليلا من ال 80% لا لشئ إلا لمخالفة فيسك الذي هو بلاجدال العدو اللدود لكل الطغاة العرب ، حيث أنه لا يكتب إلا عنهم ، ويفضح حقيقتهم عندما يضعهم مع شارون وبوش في سلة واحدة. كاتب آخر من أصحاب الأقلام الطاهرة في مصر حاول منذ أيام أن يخفف من كثافة دخان النفاق ، الذي كتبت من قبل عن أنه وصل إلى درجة تشكيل غشاوة تمنع الناس من رؤية الحقائق .. هذا الكاتب حاول أن يزيح هذا الدخان فمُنع من ذلك . يقول الأستاذ فهمي هويدي عن "الديمقراطية المغشوشة" : " لا اخفي قلقاً من انفعالات اللحظة التي ابتذلت الديموقراطية، واختزلتها في تظاهرات تتمحك فيها، في حين أبدت استعداداً مدهشاً للعبث بالتاريخ، عندما راهنت على ضعف ذاكرة الناس، وحاولت إقناعهم بأن ميلاداً جديداً يبزغ في الأفق، وان كل ما لم يتحقق طيلة السنوات التي خلت لأسباب يجهلونها، آن له أن يصبح حقيقة في مقبل السنوات، لأسباب لا يهم أن يعرفوها. لقد جاء الخطاب مسكوناً بقدر كبير من التخليط والتغليط، يصدم العقل ويجعل الحليم حيراناً." ما قاله الأستاذ هويدي كان يمكن للمدعو أسامة سرايا أن يقوم بالرد عليه. ولأن سرايا وأمثاله أعجز من أي يواجهوا مفكرا في حجم ومكانة هويدي ، وأعجز من أن يفندوا حججه المفحمة ، فلا يجدون أمامهم إلا الحل الأسهل وهو المنع والمصادرة . هذا هو عنوان المرحلة القادمة التي ستكون على الأرجح ، وكما أكدت من قبل ، أسوأ مما سبق . لقد فتحت مسرحية "إنتخاب" الرئيس مبارك الباب على مصراعيه لأصحاب النفوس المريضة لكي يمارس كل منهم دوره المطلوب في مشاهدها الخليعة وما يرتبط بها من إنحطاط خلقي وإنعدام للحس الوطني . فقد بدا لي من كم اللافتات والإعلانات التي يعلن أصحابها من خلالها عن فساد ضمائرهم ، أن كل صاحب شركة أو محل أو مصلحة من أي نوع يشارك في هذا التهريج . تخيل عزيزي القارئ لافتة تقول "مين قدنا مبارك عندنا" ، أي أن إسرائيل وأميركا مثلا ليسا "قدنا" لأن مبارك عندنا. أليست هذه جريمة في حق مصر أن يسمح لهذا السفه بالظهور على الملأ ؟ أليست هذه ممارسة للفحش في مكان عام ؟ لا يفكر أحد من هؤلاء في مقولة رسول الله صلى الله عليه و سلم عما تحصده الألسنة (والأقلام) : (وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم). ولكن لماذا يعاقب الله الإنسان على فحش لسانه ؟ وكيف وصف الله مصير المنافقين الذين أظهروا الإسلام بينما هم يترصدونه بالشر، تماما مثل الذين يدعون الوطنية وهم يترصدون مصر بالشر، فيؤيدون تأبيد العجزة والفاشلين ومراكز القوة الفاسدة في حكمها ، ويتحالفون مع أعدائها بزعم أن "مصر أولا" ؟ وأيهما أشد خطورة على مصر: المنافق الذي يبيع شرفه ووطنه من أجل تأمين مصلحته ، أم شارون الذي يدافع عن قضيته ويؤمّن لشعبه ما تعهد به إليه ؟ أيهما أجدر بالاحترام ؟