طالبت صحيفة " واشنطن بوست " الأمريكية المسئولين الأمريكيين بالتوقف عن الحديث كثيرا عن الديمقراطية بعدما فشلت إدارة بوش في ضمان إجراء انتخابات نزيهة وعادلة في مصر ، على حد قول الصحيفة . واعتبر روبرت كيجان الباحث بمعهد كارنيج للسلام الدولي في مقال نشرته الصحيفة أن استبعاد الإسلاميين، حتى الراديكاليين منهم، من المنافسة في الانتخابات الرئاسية يعد مؤشرا على عدم عدالة وحرية هذه الانتخابات. وأكد كيجان ، الذي يعد أبرز منظري المحافظين الجدد ، أن لم تكن الإدارة الأمريكية ترغب في السماح للإسلاميين، حتى الراديكاليين منهم، في مصر بالفوز بأصوات في انتخابات عادلة، فإن على المسئولين في إدارة بوش التوقف عن الحديث كثيرا عن الديمقراطية والعودة إلى دعم الاستبداديين القدماء. وأكد أن الرئيس حسني مبارك لم يلتزم حتى الآن بأي من المعايير التي حددتها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أثناء زيارتها للقاهرة في يونيو الماضي للحكم على عدالة وشفافية الانتخابات المقبلة، سواء الرئاسية أو البرلمانية، وكذلك مسيرة الإصلاح السياسي في مصر. وعقد روبرت كيجان مقارنة بين ما يجري الآن في مصر وبين المعايير التي حددتها وزيرة الخارجية الأمريكية والتي تمثلت في السماح لجماعات المعارضة بحرية التجمع والمشاركة والحديث عبر وسائل الإعلام .. وضرورة السماح بتصويت دون عنف أو إكراه .. وإتاحة الفرصة للمراقبين والمشرفين الدوليين لمراقبة الانتخابات. وأشار إلى شيئا من هذه المعايير لم يلتزم بها الرئيس المصري. وذهب المحلل الأمريكي إلى اعتبار حديث رايس عن إلغاء قانون الطوارئ الذي يحكم في ظله مبارك منذ عام 1981 من القرن الماضي واستغله للتضييق على وإخراس جميع خصومه كان الأكثر أهمية مشيرا إلى ما قالته رايس: يجب أن يأتي اليوم الذي يحل فيه حكم القانون قانون الطوارئ .. والقضاء المستقل بدلا من العدالة الاستبدادية. ونوه إلى أن حديث رايس كان ينبئ بنهج متشدد سوف تتبناه الإدارة الأمريكية ممثلا في ممارسة ضغوط شديدة من أجل إصلاحات حقيقية في النظام السياسي المصري.. إلا أنه عاد وقال: ربما لم تقصد رايس أن هذا اليوم سيأتي في الوقت الذي تقترب فيه الانتخابات المصرية.. وأضاف: لقد أعطى حديث رايس الأمل في أن شيئا ما حقيقيا قد تغير وأن الأمر برمته ليس مجرد خطبة طنانة. وأضاف الكاتب: أما بالنسبة لما يجري الآن.. فإن مبارك لم يجمد قانون الطوارئ، لذلك فإن حكم القانون لن يكون موضع تنفيذ في الوقت الذي تحاول فيه تيارات المعارضة المصرية المنافسة عبر نظام انتخابي متحيز ضدهم تماما. وبالنسبة لطلب رايس الصريح بمراقبين ومشرفين دوليين للانتخابات، فقد رفضه مبارك أيضا.. ويبدو حتى الآن أنه لن يكون هناك مراقبون مستقلون سواء مصريين أو أجانب. أيضا لا يوجد إعلام حر لجماعات المعارضة للتحدث خلالها. وكما أشار تمارا كوفمان ويتس المحلل في مركز سابان في تقرير له فإنه "رغم وعود الحكومة المصرية، فإن قانون حبس الصحفيين الذي صدر مؤخرا أكد فرض عقوبات بالسجن بسبب القذف والإهانات الأخرى التي ترتكب في أثناء تغطية الحملات السياسية. وتسائل كيجان: هل حقا يملك المصريون ما أطلقت عليه وزيرة الخارجية الأمريكية "حرية اختيار" حكامهم عبر هذه الانتخابات؟ وجاءت إجابته: وفقا للمعايير المستهدفة التي أرستها كوندوليزا رايس فإن الإجابة لا. مشيرا إلى أن مبارك لم يسمح سوى بحملة انتخابية مداها ثلاثة أسابيع فقط بدأت في 17 أغسطس وتنتهي في 4 سبتمبر.. في الوقت الذي يقف أمام المعارضة عائق جوهري يتمثل في مصادر التمويل كما أن معظم المساعدات الأمريكية للمنظمات الأهلية المصرية إما يؤجل في واشنطن أو تحظره الحكومة المصرية. وطرح الكاتب تساؤلا آخر: كيف نفسر السياسات الأمريكية خلال الأشهر القليلية الماضية؟ وأجاب قائلا: بالطبع، تمثلت هذه السياسات دوما في أن الإدلاء بخطب قوية أسهل من تنفيذها. واعتبر روبرت كيجان أنه لا يمكن القول إن الولاياتالمتحدة لا تملك الفاعلية في التأثير على مبارك بالأخذ في الاعتبار المساعدات السنوية التي تتجاوز المليار دولار. مؤكدا أن الإدارة الأمريكية إن لم تكن مستعدة لمباراة قوية مع الرئيس المصري فلماذا أرست شروطا محددة يهزأ بها؟ وأوضح أن الأمر لا يتعلق بعدم معرفة الأمريكان بكيفية الضغط على الاستبداديين من أجل عقد انتخابات عادلة لا سيما عندما ينوون ذلك. وأورد عددا من الأمثلة في مقدمتها ما فعله المسئولون الأمريكيون في عهد ريجان، حيث أجبروا حليفهم القوي فردناند ماركوس على عقد انتخابات ظن أنه سيفوز فيها لكنه خسرها. كذلك عندما عقدت الحكومة في نيكاراجوا انتخابات في عام 1990 أجبرت في ظل ضغوط أمريكية ودولية على السماح بحملة انتخابية استغرقت أشهرا وسمحت للمراقبين الدوليين بمراقبة وصول المعارضة إلى وسائل الإعلام ومن بينها التليفزيون. كما سمحت بمستويات غير مسبوقة من التمويل الخارجي، التي كان أغلبها من مصادر أمريكية، للمعارضة. وأضاف: لقد أصر المسئولون الأمريكيون على هذه الإجراءات الاستثنائية لأن حكومة نيكاراجوا فرضت سيطرتها على معظم المؤسسات الإعلامية الرئيسية وامتلكت خزينة الدولة بالكامل لتمول منها حملتها الانتخابية، وهو ما يفعله مبارك الآن. وتسائل كيجان: هل ستطالب الولاياتالمتحدة مبارك بنصف ما طالبت به الحكومة في نيكاراجوا أو كما فعلت مؤخرا مع ليونيد كوتشما الرئيس الأوكراني السابق الذي سمح بمساعدات خارجية لأحزاب المعارضة. على ما يبدو لن تفعل. وذهب إلى القول إنه ورغم كل هذا، فإن المصريين سوف يخرجون للتصويت وسيشعرون مبارك بالتهديد. وأضاف: من المؤكد أن سيفوز في هذه الانتخابات كما كان يحدث من قبل. إذا تقمص نفس النوع من الخداع في الانتخابات البرلمانية فإن اللعبة تكون قد انتهت لخمس سنوات أخرى.. حيث لن تعقد الانتخابات البرلمانية مرة أخرى إلا في 2011. وأكد على أن ما تشهد مصر الآن يمثل لحظة سانحة كي تتعامل الإدارة الأمريكية بحسم ضد استبداد النظام المصري. مشيرا إلى أن فشل إدارة بوش المرتقب أو امتناعها عن فعل هذا يثير الكثير من التساؤلات. وذكر المحلل الأمريكي أن ثمة قلق لدى المسئولين الأمريكيين من أن يسفر الضغط الزائد عن الحد على مبارك عن نصر لجماعة الإخوان المسلمين، التيار المعارض الأكثر شعبية في مصر والذي تحظره الحكومه. واعتبر أن الأمر يعد مخاطرة بكل تأكيد، لكن رأى أن الإدارة الأمريكية إن لم تكن ترغب في السماح للإسلاميين، حتى الراديكاليين منهم، بالفوز بأصوات في انتخابات عادلة، فإن على المسئولين في إدارة بوش التوقف عن الحديث كثيرا عن الديمقراطية والعودة إلى دعم الاستبداديين القدماء. وقال: من الواضح جليا أن هذا النوع من المنطق، المتمثل في أن الاستبداديين الأصدقاء أكثر تفضيلا عن بدلاء راديكاليين محتملين، قد ساعد في إفراز المزيد من الراديكلية أثناء الحرب الباردة وحديثا فرخ تيارا قويا من الإرهابيين في الشرق الأوسط. لقد رفض بوش كما يبدو هذا النوع من المنطق. لكن إذا مرت تلك اللحظة الحاسمة في مصر دون تغيير، فإن الكثيرين سوف يتساءلون عن الجديد بالضبط في سياسة الإدارة الأمريكية. إن الشعوب العربية تراقب عن كثب للحكم على مدى جدية بوش في وعوده بالديمقراطية.