هو مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن شمس بن عبد مناف القرشى الأموي، أبو عبد الملك ويقال: أبو الحكم، ويقال: أبو القاسم، وهو صحابى عند طائفة كثيرة لأنه وُلِدَ فى حياة النبى، أما ابن سعد فقد عَدَّه فى الطبقة الأولى من التابعين. كان مروان بن الحكم من سادات قريش وفضلائها، وقد قاتل يوم الدار قتالاً شديدًا، وقَتل بعض الخوارج، وكان على الميسرة يوم الجمل، وكان على بن أبى طالب يكثر السؤال عن مروان حين انهزم الناس يوم الجمل، يخشى عليه من القتل، فلما سئل عن ذلك قال: إنه يعطفنى عليه رحم ماسة، وهو سيد من شباب قريش. كان قارئًا لكتاب الله، فقيهًا فى دين الله، شديدًا فى حدود الله، ومن أجل ذلك ولاه معاوية المدينة غير مرة، وأقام للناس الحج فى سنين متعددة، وكان حكيمًا ذا عقل وكياسة، ومما يدل على حكمته وعقله أنه كان أثناء ولايته على المدينة إذا وقعت مشكلة شديدة جمع مَنْ عنده من الصحابة فاستشارهم فيها، وهو الذى جمع الصيعان فأخذ بأعدلها فنسب إليه الصاع؛ فقيل: صاع مروان. بعد وفاة معاوية بن يزيد، اضطرب أمر بنى أمية اضطرابًا شديدًا، وكادت دولتهم أن تذهب لولا أن تداركوا أمرهم فيما بينهم، وعندئذ احتفظوا بدولتهم وهو ما جعل عبدالله بن الزبير رضى الله عنهما يعلن تنصيب نفسه خليفة فى مكة، وبدأت البيعة تأتيه من سائر الأقاليم حتى من بلاد الشام ذاتها مركز ثقل الأمويين، فقد انقسم أهلها إلى فريقين: فريق مال إلى ابن الزبير وهم القيسيون بزعامة الضحاك بن قيس، والفريق الآخر ظل على ولائه للأمويين وهم اليمنيون فى الشام بزعامة حسان بن مالك الكلبي. وكان مروان وبنوه فى المدينة عند وفاة يزيد بن معاوية فأخرجهم منها عبد الله بن الزبير، فرحلوا إلى الشام، فلما وصلوها وجدوا الأمر مضطربًا والانقسامات على أشدها، مما جعل مروان يفكر فى العودة إلى الحجاز ومبايعة ابن الزبير. وبينما مروان يدير هذه الفكرة فى رأسه، وصل إلى الشام عدد من رجال بنى أمية البارزين، واستحثوا عزيمة الأمويين واستثاروا حميتهم وبخاصة مروان الذى قال له عبيد الله بن زياد: "قد استحييت لك من ذلك، أنت كبير قريش وسيدها تمضى إلى أبى خبيب يقصد ابن الزبير- فتبايعه، فقال مروان: ما فات شيء بعد". ومنذ تلك اللحظة تطلع مروان إلى الخلافة ونالها بعد جهد ومشقة لا مجال لذكرها، وأثبت أنه أهل للمسئولية، وبعد أن استقرت الأمور لمروان فى بلاد الشام، توجه نحو مصر لاستردادها من عامل ابن الزبير عبد الرحمن بن جحدم، وعندما علم ابن جحدم بقدوم مروان بدأ يستعد لقتاله فحفر خندقًا حول الفسطاط، فنزل مروان فى عين شمس، فاضطر ابن جحدم إلى الخروج إليه فتحاربا فترة، ثم رأيا أن يتهادنا ويتصالحا حقنًا للدماء، فاصطلحا على أن يُقِرَّ مروان ابن جحدم على حكم مصر، ودخل مروان مصر فى غُرَّة جمادى الأولى سنة 65ه، وسرعان ما تحرَّر مروان من عهده لابن جحدم؛ فعزله وفتح خزانته وأعطى الناس فسارعوا إلى بيعته. توفى مروان بن الحكم بدمشق لثلاثٍ خلون من شهر رمضان سنة 65ه، الذى وافق مثل هذا اليوم عام 685م، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وصلى عليه ابنه عبد الملك، ودُفِن بين باب الجابية وباب الصغير.