لا نبالغ إذا ما قلنا إن إيران تقف وراء كل فتنة حدثت وتحدث فى منطقة الخليج العربى, من العراق شمالاً وحتى اليمن جنوبًا.. هذا ناهيك عن الفتن الحاصلة فى لبنان وسوريا وغيرها من الأقطار العربية الأخرى, وهذا الكلام لا يطلق جزافًا وإنما هناك من الشواهد والأدلة التى لا تعد ولا تحصى, فإيران لديها مشروع ومن وجهة نظر القيادة الإيرانية لا ينجح إلا من خلال إثارة الفتن والقلاقل لتكون إيران بذلك مثلها كصائد السمك فى الماء العكر.. علمًا بأن التدخل الإيرانى فى أحداث البحرين ليس بالأمر الجديد كما أنه ليس بالأمر السرى أيضًا, فإيران ومنذ تولى نظام الولى الفقيه السلطة أعلنت مرارًا وتكرارًا, وعبر الكثير من قادتها ومسئوليها (معممين وأفندية) عن تدخلها الصريح والسافر فى الشئون الداخلية لمملكة البحرين, وكان ذلك يتم تارة باسم الدفاع عن شيعة البحرين وتارة أخرى بدعوة تابعية البحرين لإيران, وبالإضافة إلى التصريحات الإعلامية الصادرة عن القيادة الإيرانية بهذا الخصوص, فهناك مظاهر أخرى لهذا التدخل تمثلت بصنع جماعات وحركات طائفية خرجت على نظام الحكم الشرعى وسعت إلى إسقاط الدولة عبر ممارسة الإرهاب وإثارة الفتن والأعمال الغوغائية وكانت هذه الحوادث تجرى بتخطيط وتمويل إيرانى مباشر. من هنا نجد أن ما شهدته المنامة من تفجيرات إرهابية فى يوم الخامس من الشهر الجارى وأودت بحياة ضحايا أبرياء, لا يمكن فصلها عن مسلسل التآمر ضد البحرين الذى تقف وراءه إيران والمستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود, أى منذ قيام نظام ولاية الفقيه عام 1979م، وإلى اليوم. ولكن هل ما يحدث فى البحرين يستهدف هذه المملكة الصغيرة بمساحتها, والوديعة بسياستها, أم أن البحرين تعد الخاصرة التى تسعى إيران, تفجير أمن الخليج العربى بكامل دوله من خلال ما تحدثه فى هذه المملكة من الفتن والقلاقل؟ من المؤكد إن إيران تعانى من أزمات وصراعات حادة مع المجتمع الدولى, وتعيش عزلة سياسية إقليمية ودولية بالغة الشدة نتيجة لعدة قضايا من أهمها: إصرارها المتواصل على بناء مشروعها النووى وتضخيم ترسانتها العسكرية وتدخلها المستمر فى شئون دول الجوار لإثارة الفتن والقلاقل, دعم الجماعات والتنظيمات الإرهابية, كتنظيم حزب الله فى لبنان والمليشيات الطائفية فى العراق, وأخيرًا وليس آخرًا دعمها الكامل لنظام بشار الأسد فى قمعه للشعب السورى الثائر. إن كل هذه الأمور التى تقوم بها إيران تتعارض مع مصالح المجتمع الدولى, فطهران تحاول من خلال استخدام لغة التهديد بتعريض أمن منطقة الخليج العربى, الذى يمثل منطقة بالغة الحيوية بالنسبة للعالم, فرض الأمر الواقع الذى يعنى ضرورة القبول بإيران دولة نووية أولاً, ثم اعتبار إيران شرطيًا بلا منازع فى الخليج والمنطقة العربية, وأخيرًا جعل إيران شريكًا رئيسيًا للدول الكبرى فى كل ما تعقده من اتفاقيات ومعاهدات سياسية واقتصادية وعسكرية فى المنطقة العربية. ومن الملاحظ أيضًا أن التفجيرات التى تعرضت لها العاصمة البحرينية الأسبوع الماضى قد تزامنت مع انعقاد مؤتمر المعارضة السورية فى العاصمة القطرية الدوحة برعاية عربية ودولية, أى على مقربة من إيران ولكن لم يتم دعوتها له, كما أن المؤتمر جاء متعارضًا مع توجهاتها التى تقوم على دعم النظام السورى, لذا فقد حاولت إيران إرسال رسالتى تهديد مباشرة لدول الخليج أولاً, وللمجتمع الدولى ثانيًا, وكانت الأولى الإعلان عن إنشاء قوات عسكرية خاصة بجزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة, والثانية إحداث تفجيرات دامية فى البحرين, وفحوى هذه الرسائل أن إيران عازمة على زعزعة أمن واستقرار منطقة الخليج العربى إذا لم يتم القبول بشروطها. مما لاشك فيه أن أسلوب البلطجة الذى تمارسه طهران يعكس فشل السياسة الخارجية لنظام الولى الفقيه وعدم قدرته على انتهاج المسار السلمى فى بناء العلاقات الدولية, وهذا الفشل سوف يزيد من أزماته الداخلية والخارجية ويعجل فى عزله عن السلطة, وعندها لن يستطيع نجدته إمام, حاضرًا كان أو غائبًا.