حادثتان مؤلمتان وموحيتان ومرتبطتان بقضية واحدة: أولاهما؛ فى العيادة جاءنى والدان بطفلهما الذى كان يعانى من حساسية شديدة بالصدر؛ فقلت لهما معاتبًا: لماذا تأخرتما عليه؟.. قال الأب: بصراحة كنا فى إسكندرية فى نزهة ودخلنا السينما وتركناه عند جدته وجئنا متأخرين حيث شاهدنا فيلم (...)!؟. فقلت له مستغربًا: وهل مشاهدة سيرة بلطجى تسمى نزهة؟.. وما الفائدة التى خرجتم بها من مشاهدة فيلم قيل إنه يطفح بمشاهد جنسية وتلميحات غرائزية لا يصح أن تشاهده أسرة؟.. فضحك وهو يغمز بتلميحات أحرجت زوجته: بينى وبينك هو مثير للغرائز طبعًا قالها بلغة أعف عن سردها وما رأيك يا دكتور أنا قررت بعد مشاهدتى له أن أشترى مطواة؟. خبر له رسائله المريبة: وظهر يوم السبت (3 نوفمبر 2012) هاتفت صديقى الحبيب خالد عبد الله متسائلاً عن مغزى سرعة الحكم بوقف برنامجه (مصر الجديدة)، لأنه حاول الدفاع عن الرئيس د. مرسى ضد أكاذيب ضابط متقاعد ومحكوم عليه غيابيًا.. فكان حديثًا ذا شجون حول رسائل سرعة هذا الحكم، وما يحدث فى ساحة القضاء من أمور مريبة تلوث الثوب الأسود الذى أصابه مثلما أصاب مؤسساتنا فى عهود الظلم والفساد والمحسوبية، وأبرزه هو الكيل بمكيالين. الأدبيات عنوان المرحلة: عندما تأملت هاتين الحادثتين وجدتهما ترتبطتان بقضية اجتماعية وسياسية وفكرية خطيرة، وهى أنهما تترجمان مرحلتنا الحالية. فكما تقرر القاعدة الثابتة؛ أن الأدبيات تعتبر مرآة للحقبة أو علامة للمرحلة التى تمر بها أى مؤسسة أو أمة.. ولأن سلوك أى فرد أو أمة إنما يكون ترجمة لأفكارها.. فإذا ارتقت الأفكار ارتقى السلوك الفردى والاجتماعى، والعكس بالعكس. ولهذا فإن سلوكياتنا وأحوالنا الآن سواء حالتنا الفكرية والسياسية والتعليمية والإعلامية والفنية؛ بل والأخطر أن تكون حالتنا القانونية والقضائية أيضًا؛ ترجمة لمرحلتنا. ويصدقه حالة تردى قوتنا الناعمة غير العسكرية؛ والتى تعتبر إفرازًا لمرحلتنا الحالية خاصة بعد الانفلات بعد الثورة، وخروج أحسن ما فينا وأسوأ ما فينا!؟.. فهل هى مرحلة البلطجة؛ وثقافة مرحلة البلطجة وأدبيات مرحلة البلطجة؟!. مظاهر مرحلة البلطجة: وعندما نتأمل أحوالنا نفاجأ بالآتى: 1- بلطجة إعلامية: فإن ما نشاهده على فضائياتنا ومن إعلاميينا خاصة فى دكاكين (التوك شو)؛ إنما هو مظهر من مظاهر مرحلة البلطجة.. حيث تحولت إلى منابر عبثية لتصفية الحسابات ولنشر الفضائح واللعب على مشاعر العامة. والخطير أن تكون على هيئة حملات جهنمية ممنهجة ومنظمة من قبل ملاك هذه (الفضاحيات)، وتترس خلف ستار الحرية الإعلامية. ولقد حللنا جذورها فى مقال (فضائيات النضر بن الحارث). 2- بلطجة ثقافية وفكرية: فنجد أننا نواجه موجات من ثقافة البلطجة والانحلال الأخلاقى فى الصحف الصفراء التى لا قانون لها، وفى القصص التى تطفح بكل ما هو شاذ؛ بل وتتحول إلى وسائل رخيصة للشهرة السريعة. 3- بلطجة ثورية: وعندما نتأمل أحوال ثوارنا الذى جمعتهم روح الميدان، وقد تحولوا إلى جيوش للتشهير بالمخالفين، وإلى كتائب تمارس نوعًا من الديكتاتورية لفرض رؤاها الخاصة.. وقد فتحت لهم برامج الفضائيات المشبوهة والتى يمتلكها أعداء ثورتهم، وكذلك شبكات التواصل الاجتماعى؛ ليمارسوا نوعًا غريبًا من البلطجة الثورية!؟. 4- بلطجة قانونية: وهو من أخطر الظواهر التى أصابتنا فى مقتل سواء فى عهد المخلوع أو بعد ثورتنا؛ وهو تيار تسييس القضاء؛ بل وتحول بعض القضاة خاصة النائب العام إلى مخالب لقطط فاسدة ومرفوضة سياسيًا واجتماعيًا بل وأخلاقيًا ليفتك بمعارضيهم!؟. فضاعت هيبة القضاء فى نفوس العامة، وتاهت رمانة ميزان مجتمعنا؛ لدرجة أن البعض وصف ما يحدث فى ساحة القضاء بالبلطجة القضائية!؟. 5- بلطجة فنية: ويمثلها ذلك السيل الساحق الماحق من مسلسلات تخلد نجوم السينما والراقصات، وتطفح بالإيحاءات الجنسية لفظيًا وجسديًا، ناهيك عن موجات المسلسلات التركية المئوية، والتى ترسخ لسلوكيات غريبة عن مجتمعاتنا المحافظة.. أما الكارثة فهى تلك الموجة الجارفة لأفلام أبطالها من البلطجية وبأسماء سوقية منحطة لغويًا.. لدرجة أننى استغربت أن ناقدًا سينمائيًا على قناة (بى بى سي)؛ يستنكر هذه الموجة الانحلالية، والتى ذكر أنها تنتشر فى أوقات أزمات وانتكاسات الأمم مثلما حدث فى أمريكا فى ثلاثينيات القرن الماضى!؟. المفتى.. ناقدًا سينمائيًا: وجاءت صدمتنا عندما فوجئنا بخبر استدعاء مفتى مصر الجليل لمشاهدة وتقييم فيلمًَا إباحيًا؛ فقام بواجبه القدسى وتمخض عن منع أغنية لراقصة تتمايل على أسماء الصحابة رضوان الله عليهم وبنت الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ فجزاه عنا وعن الإسلام خيرًا!؟. وألم يكن من الأفضل أن يتم الاستفسار ولو بسؤال الرقابة السينمائية عن منع الزج بأسماء قدسية شريفة فى هذه المستنقعات الفنية. فماذا بقى لنا من حصوننا التى تتآكل من الداخل؟. سيدى الإمام؛ إلا الأزهر يا مولاى!؟. E-Mail: [email protected]