إذا كان الهدف الوحيد الذى حققته ثورة 25 يناير هو إسقاط رأس النظام فإن التاريخ سيكتب أن حرب الأيام الستة التى اندلعت شرارتها فى شارع محمد محمود فى يوم السبت الموافق 19 نوفمبر، وحتى 25 نوفمبر عام 2011 كانت البداية والنهاية لدولة المجلس العسكرى، التى مهدت الطريق لتقاعد رئيسه ونائبه. جيل أكتوبر.. جيل الانتصارات استشعر الضعف والفشل فى كسر إرادة الثوار العزل رغم استخدام القوة المفرطة، لكنه تراجع عن وثيقة السلمى العسكرية ثم تراجع أخيرًا عن الموعد الذى أعلنه لتسليم السلطة فى 2013 وحدد موعدًا مبكرًا لتسليمها وسلمها بالفعل فى 30 يونيو 2012 عندما ذاق طعم الهزيمة على يد الثوار. التاريخ سيكتب أن الإخوان المسلمين المتحالفين مع المجلس العسكرى تخاذلوا وتقاعسوا بل وتواطأوا ضد الموجة الثانية للثورة التى أنقذت الثورة، وأتاحوا الفرصة أمام القوة العسكرية الغاشمة للاستفراد بالثوار وهم يعلمون أنه كلما زاد عدد الثوار فى الميدان كلما قل عدد الضحايا، وكان يمكنهم وقف شلال الدم لو نزلوا الميدان عقب الانتقام الوحشى من مصابى الثورة المعتصمين الذى أشعل الفتيل وكشف حجم الكراهية والرغبة فى الثأر من الثورة والثوار. "الثورة إللى خربت البلد وأوقفت الحال كما كان يروج فى هذا الوقت إعلام يتعامل مع رئيس المجلس العسكرى، ودون توجيهات باعتباره الوجه الآخر لمبارك.. التاريخ سيكتب أن ملحمة محمد محمود كانت حرب شوارع واشتباكات دموية قامت خلالها قوات الشرطة بتصفية الشهداء جسديًا عن طريق تصويب الأسلحة على الوجه مباشرة والعين والصدر لإصابة المتظاهرين بالعاهات المستديمة فقد استخدمت القوات شرطة وشرطة عسكرية الهراوات والصواعق الكهربية والرصاص المطاطى والخرطوش والرصاص الحى والقنابل المسيلة للدموع والغاز من الجيل الثالث المستورد رأسًا من أمريكا بعد الثورة، والأسلحة الكيماوية مثل غاز الأعصاب وقنابل الكلور المكثف وغاز الخردل والفوسفور الأبيض والغازات السامة، كل هذه الترسانة العسكرية واجهها الثوار بسلاح الحجارة والشمروخ، وأحيانًا المولوتوف طبقاً لنص وثيقة الموسوعة الحرة "الإنكلوبيديا"، التى نقلت عن تقارير رسمية أن حرب محمد محمود كانت حرب إبادة جماعية للمتظاهرين ارتكبت خلالها جرائم حرب تضاربت الأرقام حول ضحاياها من الشهداء فى ظل اختفاء الجثث واعتقال الثوار أثناء الإسعاف، إلى جانب المصابين إصابة مباشرة فى العين والمفقودين الذين لا يعرف أحد شيئًا عنهم حتى الآن. وسقط أول شهيد عمرو أحمد محمود، 23 سنة، برصاصة قاتلة بعد أن أصر على أن يقف وحيدًا رافعًا، العلم وخلال الحملة العنيفة على المستشفيات الميدانية التى استقبلت فى أقل من 48 ساعة 3500 مصاب باختناق، إلا أن الطبيبة رانيا نوار ماتت على عتبة مستشفى كنيسة قصر الدوبارة بسبب رفض قوات الأمن إسعافها.. وفقد أحمد حرارة عينه اليسرى بعد أن كان فقد عينه اليمنى فى 25 يناير، وفقد المدون الشهير مالك مصطفى عينه اليمنى ليرتفع رقم المصابين فى عيونهم إلى 60 بطلاً.. فى حين بلغ عدد الشهداء الذين أمكن حصرهم 50 شهيدًا . التاريخ سيسجل للثوار الذين انضم إليهم شباب الألتراس وطلبة المدارس، أنهم بادروا بالدفاع عن الميدان عن طريق الهجوم على قوات الشرطة فى شارع محمد محمود، الذى كان يمثل الثغرة لغزو الميدان.. لأنهم كانوا واثقين من أنه لو انفض الميدان لانتهت الثورة هذه المرة.. وكان لسان حالهم يقول لابد من سقوط شهداء لحماية الميدان وحماية الثورة.. قالوا لى وقد شهدت الحرب عند شارع الفلكى إننا نستمتع بشم الغاز المسمم ورائحة الموت والدم.. وهتفوا: "تضرب بغاز.. تضرب برصاص جيلنا من الموت ما بيخافش خلاص".. ويتساءل ثائر قائلاً: هل يعقل أن يتم التعامل مع الثورة على أنها نكسة وأنه يجب تصفية كل شاب يهتف: يسقط يسقط حكم العسكر.. هل يعقل أن يتم تزوير التاريخ بشطب بطولات شارع محمد محمود ووضع مكانها صور تصف الثوار بأنهم بلطجية؟ كيف يتم الانتقام من شعب ثار على رئيس دولة فاسد لكنهم غير نادمين على ما فقدوه لأنهم لبوا نداء الوطن فى حين تخاذل الكثيرون عن تلبية النداء فى أشد الأوقات حاجة إليهم..