كانت هيئة الدكتور نعمان جمعة وهو في مؤتمره الصحفي وعلامات الحزن والأسى التي كست وجهه مثيرة للكثير من الألم ، لم أشعر أبدا بالشماتة في هذا الموقف الجلل الذي يقف فيه الرجل ، وخاصة أنه كان صريحا وجادا ومؤثرا في كلماته ، رغم غضبي الشديد من موقفه السابق ، كان الكثير مما قاله خطيرا ، ورغم مجاهدته في إخفاء بعض ما كان يتوجب قوله إلا أن ما خرج منه كان كافيا ، للتأكيد على " الورطة " التي ورطه البعض فيها ، وأن هذا البعض لم يكن هو الهيئة العليا للوفد كما شنفوا آذاننا بها عندما اتخذ جمعة قراره بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية ، وإنما كان هذا البعض هم قيادات كبيرة في الحزب الوطني الحاكم حسب نص اعترافاته ، حاصروه وأغروه وعملوا له حسب تعبيره "عجين الفلاحة " من أجل أن يوافق على المشاركة ، هذه اعترافات صريحة على " اللعبة " التي لعبها الحزب الوطني ، ومن الواضح أن " الجماعة " في الحزب الوطني وعدوه بوعود محددة ، ولكنه فوجئ بأنهم لم يفوا له بأي شيئ منها ، ولذلك قال علانية بأن هذه الحكومة لا يمكن أن نأتمنها على شيئ ، وهل هذا المعنى كان غير واضح من قبل يا دكتور نعمان؟ ، المهم الآن أن يكون الرجل قد استوعب الدرس ، وأن يكون حزبه أيضا قد استوعب الدرس ، إن الأوضاع الحالية في مؤسسة الحكم أصبحت رمالا متحركة ، ولن أقول سفينة تغرق ، والنظام ليس قادرا على الوفاء بشيئ لأحد ، لأنه نظام معرض للانهيار من تلقاء نفسه ، وسوف يطأ بقدمه أي شيئ ، وبدون أن تطرف له عين ، وإذا كان نعمان جمعة لم يكن مستوعبا ذلك من قبل ، فأظن أنه استوعبه الآن ، وعليه أن يعود سريعا إلى القوى الوطنية الإصلاحية ، وأن يضع عينه على المستقبل وليس على الطين الذي أوحل فيه حزبه الآن ، وقد كان في تصريحاته الكثير من الإشارات في هذا السبيل ، التي تدل على أنه يبحث الآن عن العودة بقوة إلى صفوف المعارضة الوطنية الحقيقية والشريفة ، وإن كنت أرجو أن يعيد النظر في موقفه المتوتر وغير اللائق من الإخوان المسلمين ، فإن دعوته إلى استبعادهم من الحياة السياسية خطأ سياسي وخطأ أخلاقي أيضا ، ولا يخدعنه التسريبات الرسمية التي تزعم أنهم أعطوا أصواتهم لأيمن نور ، هذه أسطورة لا توجد حتى في خيال من أطلقها ، والمؤسف أن يصدقها أحد ، وليس هذا الوقت هو الوقت المناسب لإعلان الحرب بين فصائل المعارضة ، كما أني أتمنى أن يتمسك بدعوته إلى وجود رقابة دولية على الانتخابات النيابية المقبلة ، ولا يقع في " ملعوب " آخر ساعة الجد ، حتى لو عملوا له " عجين الفلاحة " ، إن حزب الوفد ما زال يملك الكثير من الهيبة في الوجدان المصري ، على الأقل من هيبة تاريخه وهيبة الشخصيات التي جددت حياته في ثلث القرن الأخير ، مثل فؤاد سراج الدين ومحمد حلمي مراد ومصطفى شردي وغيرهم ، والوفد ما زال قادرا على العطاء في حياتنا السياسية ، ويملك من القدرات البشرية وغيرها ما يؤهله لريادة التيار الليبرالي ، وكما يقولون ، رب ضرة نافعة ، فلم يكن أحد يعول على الانتخابات الرئاسية أصلا ، ولكن لعل مشاركة رئيس الوفد فيها ، قد منحته الدرس القاسي الذي يجعله يقطع حبال الأمل مع السلطة ، ويضع يده بقوة في يد قوى الإصلاح والتغيير ، التي تمثل أمل مصر الحقيقي في المستقبل . [email protected]