الدكتور محمد البرادعى قيمة كبيرة - كما يحب أن يصفه مؤيدوه ومريدوه على تويتر والفيس بوك والصحف وفضائيات ما بعد الثورة-، وبلا شك الرجل له تاريخه الطويل فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية كرئيس لها فى الفترة من 1997 2009، وجاء التحاقه بالوكالة الدولية منذ 1984 حيث شغل مناصب رفيعة منها المستشار القانونى للوكالة، ثم فى سنة 1993 صار مديرًا عامًا مساعدًا للعلاقات الخارجية، حتى عُيِّن رئيسًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية فى 1 ديسمبر 1997 خلفًا للسويدى هانز بليكس، وأعيد اختياره رئيسًا لفترة ثانية فى سبتمبر 2001، ولمرة ثالثة فى سبتمبر 2005، ليظل بعيدًا عن مصر ما يقارب الثلاثة عقود، ليعود للوطن عام 2009 ويبدأ رحلة الكفاح ضد صديقه مبارك الذى سبق وقلده بقلادة النيل العظمى 7 فبراير 2006، وهى أعلى وسام مدنى مصرى، كل هذا رائع.. لكنه يبقى مفتقرًا للنضال السياسى الطويل كمعارض قوى للعهد المستبد السابق،، قياسًا بأسماء أخرى لها تاريخها ومواقفها المشهودة ووقفت فى صف الشعب ضد الطغمة الحاكمة فى السابق، وتعد أكثر منه تأثيرًا فى المشهد المصرى فى الماضى والحاضر، ورغم ذلك يبقى الرجل أحد الذين رموا بحجر حرك المياه الراكدة فى محيط الرئيس المخلوع، ومنذ وجوده على الساحة تارة يخرج ويصرح بكلام زى الفل وتارة يتراجع ويقف موقف المشاهد من أحداث ينتظر الكثيرون أن يدلى بدلوه ولكنه لا يفعل، وعشية عيد الأضحى المبارك خرج علينا الدكتور البرادعى بتغريدة مفاجئة، يصف فيها المجتمع المصرى بأنه همجى مختل القيم كتبها الرجل على تويتر، وتناقلتها الصحف والمواقع الإلكترونية كالبرق، وزاد عليها بقوله: "إن الدين عقيدة ومعاملة.. وليس فقط طقوسًا وشعارات، ويجب أن ترقى العقوبة لمستوى الجريمة"، هكذا وصف الرجل المجتمع بكامله بأنه همجى وقيمه مُختلة، ولو قال ذلك فقط لكان الأمر عاديًا، لكن جملة "الدين عقيدة ومعاملة وليس فقط طقوسًا وشعارات" قد تكون هى من ثارت حفيظة الآخرين، ومنهم العبد لله فما دخل الدين فى ذلك.. فالتحرش الجنسى لا أرض له ولا دين ولا جنس ولا عرق بل الأقرب للوصف أنه مرض لا أكثر يصاب به الصغار والكبار.. فالمجتمعات الغربية وهى القدوة التى يتخذها الدكتور البرادعى نبراسًا وسراجًا منيرًا مليئة بالتحرشات الجنسية كل وقت وحين، ويعلم سيادته ذلك فالمجتمع الأمريكى مثلاً يعد أكثر المجتمعات تحرشًا، والمجتمعات الأوروبية تأتى خلفه بخطوات قريبة، إذن المجتمع المصرى ليس وحده بل يأتى فى مؤخرة الإحصاءات الخاصة بقضايا التحرش عالميًا، ويبدو أن الدكتور البرادعى لا يعرف ذلك وهو من عاش فى الغرب عشرات السنين، لكن عندما يأتى الأمر على الهوى يجد له آذانًا صاغية من الرئيس السابق للوكالة الدولية، فسبق أن تعرضت مذيعة قناة فرانس 24 للتحرش فى جمعة "مصر مش عزبة" التى دعا إليها حزب الدستور حزب البرادعى ذاته!!، بما يعنى أن المتحرشين بها هم من أنصاره، وقتها التزم الرجل الصمت ولم نره بتويتة ولا فيسة ولا حتى إحم إحم، لأنه يعلم لو فعل يعى أنه يوجه الاتهام لأنصاره!!، مع أن أيامًا قليلة فصلت بين الحدثين.. ولا أدرى هل الدكتور البرادعى سريع النسيان أم يرى ما تعشقه عيناه ويغمضها عندما يلازمه الهوى؟، قد تكون الأحداث المتلاحقة والغلاية التى تفور سخطًا على مسودة الدستور من التيار المدنى، أنست الرجل بعض الأحداث وفاته التعليق عليها، لكن يجب أن يكون حضوره أكثر من ذلك عندما يتعلق الأمر بقضايا تخصه وأنصاره.. فالتحرش بمذيعة القناة الفرنسية جاء فى جمعة دعا إليها حزبه وهو وكيل مؤسسيه وحتى نكون منصفين وقوى مدنية أخرى، وآثر الرجل الصمت، والسؤال المطروح الآن ماذا لو وقع التحرش أثناء مليونية أو جمعة لا فرق، دعا إليها التيار الإسلامى؟!.. كانت الدنيا أمطرت بتويتات وفيسات وفضائيات تحلل وتفند وتروج "تعالوا شوفوا الإسلاميين همّ".. وهو ما يعكس صورة التعاطى مع الأحداث مع قبل القوى المدنية وما يتوافق وهواهم ونظرتهم لمستقبل هذا الوطن، وما يريدونه له من علمنة بحتة على الطريقة الغربية، ناكرين تمامًا على الأغلبية رؤاها بأن ترى مجتمعها يعلوه الوقار.. وليس العار والشنار.