جرت الانتخابات الأمريكية عام 2000 بين حاكم تكساس جورج بوش ونائب الرئيس آل جور، كانت تأكيدات آل جور بدعم إسرائيل وعاصمتها القدس تخيم على أمنيات العرب بنجاح جورج دبليوبوش باعتبار أنه لم يكن على نفس الدرجة من العنف والشدة فى الحديث عن القضية الفلسطينية، ومضى اثنا عشر عامًا على نجاح بوش الابن الذى أحرز واحدًا من أسوأ السجلات فى تاريخ العلاقات الإسلامية الأمريكية، ولا يحتاج الأمر فطنة حتى تدرك أن العرب لم يكونوا محقين عندما أيدوا حينها واحدًا من أعدى أعداء الإسلام فى التاريخ الحديث. فى نوفمبر القادم تجرى الانتخابات الأمريكية بين المرشح الجمهورى رومنى والمرشح الديمقراطى الرئيس أوباما، ورغم تكرار اسم مصر وإسرائيل وإيران وسوريا وتونس فإننى لم أفهم - رغم محاولتى تكرار سماع المناظرات عدة مرات – نقاط الاتفاق والاختلاف بين المرشحين حول مسائل تتعلق بالشرق الأوسط والربيع العربى، فى الماضى كان من السهل تحديد ترتيب أهمية القضية الفلسطينية فى الأجندة الأمريكية أما الآن فكثرة الأحداث والمفاجآت التى تجدها الولاياتالمتحدة فى المنطقة كل يوم جعلت التعامل مع ملف الشرق الأوسط يتوقف على المدرج فى دفتر اليوميات فى المنطقة العربية، وفقدت الولاياتالمتحدة زمام المبادرة خلال العامين الماضيين فى المنطقة، فمن ناحية خذل الليبراليون حلفاءهم فى واشنطن فلم يستطيعوا رغم تأكيداتهم من قبل الحصول على أغلبية فى أية انتخابات نزيهة فى أى دولة عربية وبدلا من ذلك سيطر الإسلاميون على دولتين على الأقل هما مصر وتونس، وأدركت الأقليات الدينية بعد التجربة العملية أن الإخوان المسلمين ليسوا على هذه الصورة البشعة التى كانوا يتوقعونها حالما وصلوا إلى الحكم بل على العكس وجدوا فرصة أكبر للحديث والتعبير وتمكنوا للمرة الأولى إدارة ملفاتهم الخاصة بكل شفافية وظهر لهم صوت مسموع فى وضع الدستور المصرى، وعليه فقد ضعفت واحدة من أقوى الأوراق التى كانت تمسك بها الولاياتالمتحدة فى مواجهة نظام حسنى مبارك، وكذلك فإن التقدم فى ملفات حقوق الإنسان وحركة الحكومة المصرية فى هذا الاتجاه لا تدع منفذاً للخارج فمنذ نجاح الرئيس مرسى ومصر تعيش بلا قوانين استثنائية بل إن الحكومة امتنعت عن استعمال أى إجراءات قسرية حتى ضد المفردات الظاهرة للدولة العميقة والتى تتحصن بالحصانات والامتيازات المالية والوظيفية. يحاول رومنى أن يظهر مختلفاً عن أوباما فى إدارة ملفات الشرق الأوسط ولكن الضغط الاقتصادى والعلاقات مع الصين لا تدع له الفرصة فى بيان مفردات هذا الاختلاف، ويبدو أن الرجلين لم يبلور أى منهما رؤية واضحة حول العلاقات مع الأنظمة الديمقراطية الجديدة خاصة مع الضغوط الشعبية التى تطل برأسها مع كل تقارب مصرى إسرائيلى ولو كان ناشئاً عن خطاب بروتوكولى أو مجاملات دبلوماسية، فمن ناحية يحكم مصر أعداء إسرائيل من الإسلاميين ولكن يظهر منافسوهم فى التيارات الإسلامية الأكثر تشددًا متربصين بالسلطة حال خلو مقاعد الإخوان المسلمين من شاغريها وهو أمر يعطى الإخوان المسلمين فرصة أفضل فى الحوار مع الأمريكيين باعتبارهم الجناح المعتدل فى النسيج السياسى الجديد. الحرب الموعودة مع إيران ترجح كفة الأنظمة الجديدة فالفوضى فى المنطقة التى يمكن أن تنشأ عن اضطرابات سياسية تصب فى مصلحة إيران وتهدد استقرار أسعار النفط وحركة التجارة المرتبطين بمنطقة الخليج ومنطقة قناة السويس بما يجعل الحفاظ على الهدوء فى المنطقة هو أخف الضررين بالنسبة لصانع القرار فى واشنطن. من ناحية أخرى، فإن التنافس الاقتصادى مع الصين يجعل من الازدهار الاقتصادى فى منطقة الشرق الأوسط المشروط بعلاقات طيبة مع أمريكا هدفًا استراتيجيًا من أجل تصريف البضائع الأمريكية فى المنطقة سواء فى مجال التسليح أو التكنولوجيا وهو ما يؤدى إلى خلق وظائف جديدة للخريجين هناك بعد الأزمة الاقتصادية وهو أمر تجد أمريكا نفسها مرغمة على التنافس بشأنه بعد دخول الصين على الخط مع مصر والسودان على وجه الخصوص. لن يسلح أوباما ثوار سوريا خشية أن تقع سوريا هى الأخرى فى يد الإسلاميين بينما يدعى رومنى أنه سيتجه إلى حسم الصراع هناك لإسقاط بشار الأسد بأى وسيلة، الأمر الذى يجعلنى أتذكر كيف بنينا مواقفنا من المرشحين عام ألفين على الخطاب الإعلامى فى المناظرات الرئاسية بينما تخفى الأيام والأحداث ربما حقائق تغير كل شىء على أرض الواقع.