فى يناير عام 2010، ولأول مرة فى مصر، يحدث "تداول سلمى" للسلطة، داخل الجماعات السياسية من خارج دائرة السلطة، حيث اختير د. محمد بديع، بدلاً من مهدى عاكف، مرشدًا عامًا لجماعة الإخوان المسلمين. وفى أكتوبر عام 2012، شهدت الجماعة حدثًا مشابهًا تداول سلمى للسلطة داخل جناحها السياسى "الحرية والعدالة" بفوز "الكتاتنى" على "العريان" فى السباق على مقعد رئاسة الحزب. من حق جماعة الإخوان المسلمين أن تتباهى بالحدثين.. خاصة أن الأحزاب "المدنية" أو تلك التى تنسب نفسها إلى "الليبرالية".. حسمت الصراع على السلطة بداخلها إما بالاحتكام إلى "السلاح" أو إلى ما يشبه "الانقلاب العسكرى".. مثل ما حدث فى حزب الوفد فى إبريل عام 2006، أو بالتزوير كما حدث فى "العربى الناصرى". الجماعة التى توصف ب "الدينية" سجلت "هدفين" فى مرمى الأحزاب التى توصف ب"المدنية".. ناهيك عن "مهرجان الأهداف" الأخرى التى أمطرت بها الجماعة خصومها فى الانتخابات السابقة.. وعلى تلك الأحزاب التى تتجمل ب "الليبرالية" أن تعترف بأنها ليست فى موضع منافسة حقيقية مع الإخوان.. لا على مستوى الظهير الشعبى.. ولا على صعيد الحراك السياسى الداخلى. المفارقة التى "خدّمت" على الصورة الإخوانية.. أنه فى الوقت الذى كانت فيه التيارات "المعادية" للجماعة.. مشغولة بحشد أكبر عدد من الناس، فى "التحرير" لمشاغبة الإخوان.. كانت الأخيرة مهمومة بالتحضير لهذا المشهد "الديمقراطى".. وهى الخطوة الأفضل والأكثر نجاحًا.. من تلك التى تورطت فيها الجماعة يوم "جمعة الحساب". ولكن يظل السؤال الغائب حول ما إذا كان "تداول السلطة" داخل الحركة، منضبطًا ب "متن" الديمقراطية كما نعرفها وب "هوامشها".. إذ لا يعرف أحد على أى أسس اختير "بديع" عام 2010.. وانتصر "الكتاتنى" عام 2012. بكل المعايير فإن الأستاذ مهدى عاكف، يعتبر أفضل مرشد للجماعة، عبر تاريخها الطويل.. ومع ذلك ترك منصبه طوعًا.. بدون أى إشارة إلى "حيثيات" التغيير.. ولعل ذلك ما حمل البعض على أنه لم يكن اختيارًا ديمقراطيًا.. وإنما انتصار ب "قوة الضغط" لصالح "التيار القطبى".. وتمكين القوى المحافظة لقنوات وأوعية تمرير القرارات السيادية داخل الحركة. انتخابات "الحرية والعدالة".. تأتى فى ذات السياق، إذ يظل "الشكل" لافتًا بلا شك.. غير أن "المضمون" يبقى على ذات الوضع الذى يحمل على التساؤل بشأن المعايير التى رجحت كفة "الكتاتنى" على "العريان".. وما إذا كانت "إصلاحية" أم "تنظيمية".. أو خضوعها لدور مكتب الإرشاد فى صوغ رأى عام داخل الجماعة، ينتصر لأحد المتنافسين بوصفه من "أهل الطاعة" وليس من "أهل الكفاءة"؟! ستظل هذه الأسئلة حاضرة ومشروعة، ما لم تعكف الجماعة على معالجتها، وإقناع الرأى العام بأن الانتخابات الداخلية تجرى وفق رؤى سياسية واجتهادات وإبداعات تتماس مع حلول لعشرات المشاكل التى تعيشها مصر.. فالجماعة هى التى تحكم الآن.. ومن المفترض أن يكون الحزب هو "بنك الأفكار" التى تُقدم لصانع القرار. وعلى أى حال تبقى التجربة حدثًا "سعيدًا".. والطريق إلى الديمقراطية يبدأ عادة بمثل هذه المحاولات الجسورة مهما كانت غضة أو بكرًا. [email protected]