اللواء حسن أبو باشا أحد الذين حققوا معي في تحقيقات 1981 م ، وكان المشهد في سجن المرج مروعاً ، فقد كان عبارة عن سلخانة للتعذيب وقثها وبالتحديد في 18 أكتوبر 1981 م ، رأيت اللواء حسن أبو باشا يدخل علي وأنا ملقي علي الأرض في جوف الليل وهو يجمع أقوال قادة وأعضاء تنظيم الجهاد وقتها ، وقال لي يابني قول علي كل حاجة وما تبهدلش نفسك ، سوف أقص للقراء ماحدث لي في سجن المرج ، انتقلت من سجن القلعة الرهيب الذي كان يشرف عليه امبراطور التعذيب وقتها العميد محمد عبد الفتاح عمر ،سمعت في سجن القلعة ماروعني ، طوال الليل أسمع الجري والضرب بالسوط الذي لم يتوقف طوال هذه الليلة ، ومع جوف الليل وصراخ المعذبين وصوت الجلادين والجلاوزة كنت أشعر بالفزع والخوف . كانت هذه أول مرة في حياتي أدخل سجن القلعة ، وكنت في معسكرات الأمن المركزي بمدينة المنصورة لمدة يومين أواجه التعذيب بجسارة وبطولة منقطعة النظير ، فقد كنت أتعذب وأنا أواجه المحقق بدون غماية علي وجهي ، أما في القلعة فقد كان الأمر موحشاً ومرعباً ومريعاً ، وفي الصبح نظرت من الكوة الصغيرة في الزنزانة العتيقة لأجد طابور المعذبين الفظيع وهم عراة إلا من سروايلهم ، وبقع الدم والجروح تملأ ظهورهم ، وجماعات الذباب تقف عليها ، وآثار الكرابيج المروعة واضحة علي ظهورهم وكلهم أخفيت وجوههم الكسيرة تحت خرقة من القماش المتسخة كنا نسميها " الغماية " . وللعلم فإن " الغماية " لم تعرفها التحقيقات المصرية إلا مع الفنية العسكرية عام 1974 م وتم نقلها من خبرة التحقيقات الإسرائيلية مع الفلسطينين والعرب ، ظللت في القلعة حتي عصر ذلك اليوم ، ونودي علي اسمي ، فتقدمت والغماية المحكمة علي وجهي ، ولم يكن عمري يزيد في ذلك الوقت علي الاثنين والعشرين عاماً ، وكنت أظن أننا سنواجه حكم الإعدام بدون محاكمات ، ولما تقدمت أحكم بلاصق قوي علي فمي ، ووضع لاصق علي جبهتي وكانت عربة الترحيلات تقف منتظرة ترحيلي وحدي ، صعدت من سلالم القلعة والله العظيم كنت أعتقد أنني أصعد علي سلم الإعدام وإذا بي أدخل إلي العربة التي مخرت بي وحدي وحولي علي الأقل عدد من رجال الأمن السريين وظلت العربة تنهب الطريق وحاولت المستحيل التعرف علي وجهتها فلم أتمكن ونزلت سجن المرج المرعب وقتها والذي كان يشهد مذبحة حقيقية ومروعة ، تلقتني أيد المخبرين الثقيلة بالضرب ، والكرابيج المروعة وأنا ألف في دائرة قبل توجهي إلي المحقق . كان التحقيق الأساسي معي في سجن المرج والذي تعرضت فيه للتعذيب المروع وكان أشد ما تعرضت له هو تعليقي من يدي في ماسكين معلقين في الحائط يمر عبرهما تيار كهربائي وكانت أقصي نقطة تستطيع رجلي أن تصل إليها فيما أذكر هي حافة مسند الكرسي الخشبي العلوية ، وكان من بين أساليب التحقيق المروعة إطلاق طلقات نارية حقيقية في جوف الليل إلي جوار رءوسنا . كانت أدوات التعذيب متقدمة في سجن المرج جدا ، وكان أبو باشا هو المشرف العام علي التحقيقات في هذا الوقت باعتباره مساعداً لوزير الداخلية ، ثم أصبح علي الفور وزيراً للداخلية ، وأذكر أن أحد أعضاء الجهاد وقتها شهد أن أبو باشا داس علي المصحف وكان اسمه فيما أذكر " عصام عبد اللطيف " ، وكانت ردود الفعل علي مآسي التعذيب التي حكاها أعضاء تنظيم الجهاد المصري في محكمة أمن الدولة العليا في القضية المعروفة ب462 أمن دولة عليا ، هي التي وضعت البذرة لدي بعض الشباب ممن سموا " الناجون من النار " وهم الذين أطلقوا النار علي اللواء حسن أبو باشا " بعد تقاعده . يلقي أبو باشا " وجه الله حيث انقطع عن الدنيا والسلطان والجاه والمال والنفوذ والإعلام ، ويبقي معه عمله وأخطر وزر يحمله فوق ظهره مظالم العباد الذين سيشكونه إلي الله في يوم يقول فيه الحق " لمن الملك اليوم ،لله الواحد القهار " ، الذين يحملون إصر الظلم عذابهم سيكون شديد ،لذا حين نطالب بوقف التعذيب ضد الإنسان فذلك أيضا لحماية أولئك الذين تلوث أيديهم به من عذاب النار . ولعذاب الآخرة أشد وأبقي .