هل يعنى خطأ الثوار بالالتزام بالمسار الدستورى (محاكمة المخلوع ورموزه بقوانين وقضاء المخلوع) أن يستمر هذا الخطأ حتى تضيع حقوق الشهداء, أى ثورة تمثل عملاً سلمياً "غير قانوني" تقوم به الشعوب لإسقاط الحاكم ونظامه, الأجهزة الأمنية والقضائية والمخابراتية والإعلامية والسياسية وخلافه, فكل فعاليات الثورة هى فوق القانون والدستور.. لأنها ضد الذين صاغوا هذا الدستور والقوانين.. والخروج على الشرعية الدستورية يعتبر عملاً مشروعاً بامتياز.. لأن سلطة الشعب هى الأعلى وفقاً "للشريعة" -وأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَمْرِ مِنكُمْ" الآية , فأولو الأمر (وليس ولى الأمر).. تعنى عملاً جماعياً لإدارة البلاد بما يرضى أغلبية الشعب.. وهذا العمل الجماعى تطور حديثاً لما يسمى بالمؤسسات.. ثم "النظام السياسي", والشعب هو فقط الذى يحدد هل هؤلاء الحكام يمثلون "أُوْلِى الأَمْرِ مِنكُمْ" أم لا؟!! يعنى السلطة للشعب الذى يعطى الشرعية للحاكم والنظام السياسى (ويشمل القضاء) ويسحبها.. - وعندما يخرج الشعب بكثافة سلمياً فى يناير 2011 ويقول "الشعب يريد إسقاط النظام" يعنى ذلك أن الحاكم وكل عناصر نظام الحكم من الأجهزة والمؤسسات المذكورة لا يمثلون "أُوْلِى الأَمْرِ".. ويستحيل أن يمثلوا "مِنكُمْ".. ولابد شرعاً وعقلاً أن يتركوا السلطه فوراً وهو ما حدث فى كل الثورات الناجحة.. يتم إزاحة كل عناصر النظام فوراً ويحل محلهم عناصر النظام الجديد.. حدث ذلك مثلاً فى مصر 1952 وإيران.. وإلا تتعرض الثورة للهجوم من عناصر النظام البائد كما يحدث بالضبط الآن، حيث قام رجال الأمن والنيابة بطمس أدلة الاتهام فى قضايا قتلة الثوار وقام بعض القضاه بالتقصير بعدم التنحى عن القضايا للضغط على السلطات لإعادة الحصول على الأدلة ولم يطالب القضاة (وليس النيابة) فى نهاية الحكم بإعادة التحقيقات, قانونا, للحصول على الأدلة. - هناك تناقض خطير, تأكد مؤخرا, بين الثورة والشعب من جهة وبين الأجهزة الأمنية وبعض كبار القضاة, وبالطبع النائب العام, المنتمين للنظام البائد, كل ذلك ضد القضاء فى حد ذاته (كما أن كبار لواءات الشرطة ضد أمن البلاد وهكذا).. أيضا كل ذلك ضد الشريعة.. لأن الدستور يؤكد أن "قيم ومبادئ الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع"، والقضاة هم أول من يفهموا هذه البدهيات فكيف تنجح الثورة كذلك؟!! لقد تأخرنا كثيرا فى تطهير وإعادة هيكلة مؤسسات الأمن والقضاء, هل يعقل أن القضاء لم يصدر أى أحكام لصالح الثوار, أكثر من 1500 شهيد, على الكاميرات أمام أعين العالم وكل القتلة والبلطجية المأجورين حازوا على أحكام البراءة هم ومن حرضهم ومولهم. الحل الوحيد هو الاستمرار على احترام القضاء وأحكامه إقراراً بسيادة الدولة.. بشرط تطهير هذا القضاء من هؤلاء القضاة (فى تونس تم فورا طرد أكثر من سبعين قاضيا)، مع مراعاة أن القضاء ليس جهازا يتم إعادة هيكلته مثل الداخلية أو الدفاع، بل (سلطة) يتولى أعضاؤها هيكلتها بمراقبة مجتمعية, مع ضرورة وسرعة إنجاز قانون السلطة القضائية بما يتوافق مع العهد الجديد. - دم المظلوم أقدس عند المولى من أى مقدسات أخرى (وليس فقط القضاء) - كما أخبر المعصوم، والقصاص عندما يكون مطلبا شعبيا عاما فلابد أن يمثل الهدف والقضاء يمثل الوسيلة لأن السلطة للشعب؛ القصاص يمثل ضرورة ملحة لتحقيق العدالة الانتقالية للحفاظ على تماسك المجتمع والأمن القومى. - الرئيس يستطيع أن يصدر حزمة تشريعية وينشأ محاكم استثنائية, ليس فقط لمحاكمة قتلة الثوار بل أيضا لمحاكمة رموز النظام البائد والثورة المضادة على الجرائم السياسية وإثارة الفتن بالبلطجة المتلاحقة والمعروفة للجميع وآخرها "جمعة الحساب" 12 أكتوبر, ويلزم ذلك تشكيل مجلس أعلى للعدالة الانتقالية يتكون من لجان تحقيق من شيوخ القضاة وبعض الحقوقيين ولها صفة الضبطية القضائية لإنجاز محاكمات عاجلة، ويشمل ذلك لجان مصالحة تتولى تسوية الحالات التى افتقدت الأدلة الجنائية لمحاولة استيعاب الاحتقان الشعبى. - أما النائب العام (رجل مبارك) فهو الحصن الحصين لرموز الثورة المضادة وكل من يقف لإعاقة الإرادة الشعبية بهدف حماية نفسه من المحاكمات, إذا لم يترك المنصب فسيضع مصيره تحت رحمة الثوار وأسر الشهداء, وعلى أى حال فنحن بهذه الأزمة على مشارف محاكمات وانتصارات كبرى للثورة مثلما حدث بعد أزمة رفح وجنازة شهدائها.