هانى المكاوى [email protected] استبعاد أوائل كليات الحقوق والشريعة والقانون من التعيين بالهيئات القضائية، خاصة النيابة العامة، كان إجراء سنويا يقوم به النظام البائد؛ لتكريس سياسة التوريث فى سلك القضاء، وحتى أصبح من المألوف أن نجد وقفات احتجاجية من الأوائل أمام مكتب النائب العام، محتجين على استبعادهم من التعيين فى النيابة العامة ورفضهم لاستمرار عملية توريث القضاء. ولكن.. للأسف استمر مسلسل ضياع حقوق المتفوقين بعد الثورة، لدرجة استبعاد العشرات من أوائل الكليات لترك فرصة لتعيين أبناء القضاة. والغريب أن البعض طالب بتقنين توريث الوظائف القضائية، على اعتبار أن ابن القاضى سيكون أكثر نفعا بغض النظر عن تقديره العام؛ حيث هناك معادلة متدوالة بين القضاة تقول "مقبول + بيئة قضائية = قاضيا ناجحا". ولو رجع هؤلاء للتاريخ القريب لوجدوا أن كبار رجال القضاء وفقهاء القانون الذين احتلوا المراكز الأولى فى كليات الحقوق لم يكن والد أحد منهم قاضيا أو مستشارا، وفى مقدمتهم الدكتور عبد الرازق السنهورى، وبدوى حمودة رئيس مجلس الدولة السابق... وغيرهم؛ فالتعيين فى القضاء كان للتفوق العلمى وليس للتفوق الأسرى!. ولكن الكارثة الأكبر كانت على يد رموز النظام السابق الذين تسببوا فى دخول بعض العناصر بالرشاوى؛ لدرجة أن مسئولا كبيرا فى الحزب الوطنى المنحل افتتح مكتبا لتسهيل الدخول للنيابة والشرطة والكليات العسكرية.. وكله بحسابه!!. والنظام البائد لم يترك مجالا إلا أفسده حتى المناصب القضائية، رغم أنها مناصب بالغة الحساسية؛ لأن الخطأ فى ممارسة العمل القضائى خطأ جسيم قد يؤدى إلى إصدار حكم خاطئ بالإعدام، ومن ثم لا بد أن يكون القاضى أو المستشار على درجة علمية رفيعة حتى يستطيع أن يقضى بالحق والعدل. وسيساعد تسكين أوائل كليات الحقوق والشريعة بالمؤسسات القضائية على الحفاظ على نزاهة وعدالة مؤسسة القضاء التى كانت وما زالت فى مقدمة المؤسسات التى تصدت لطغيان الأنظمة العسكرية منذ مذبحة القضاة على يد عبد الناصر 1969م، وانتهاء بمذبحة القضاء على يد مبارك 2007. وإصلاح منظومة القضاء يجب أن تبدأ بحسن اختيار العنصر البشرى من أوائل كليات الحقوق والشريعة الإسلامية، وإذا كان أهم مطلب لثورة 25 يناير هو العدالة، فلا يصح أن نقبل "مشاريع قضاة" من الحاصلين على مقبول بمواد ونترك زملاءهم المتفوقين. ولعل تسرب غير المتفوقين للقضاء قد يكون السبب الرئيسى فى وجود قضاة أساءوا لمؤسسة القضاء، وتحالفوا مع فلول النظام البائد، واعتدوا على السلطة التشريعية بإصدار حكم مُسيس بحل مجلس الشعب، وقيامهم مؤخرا باختلاق معركة ضد الرئيس مرسى لقيامه بإبعاد النائب العام عن منصبه بدعوى الاعتداء على القضاة. لو شعر هؤلاء القضاة فى ناديهم بمشاعر الظلم والحسرة فى نفوس أسر الشهداء، أو شاهدوا الدموع التى تجمدت فى عيونهم بعد أحكام البراءة غير المستحقة لرموز نظام مبارك من المحرضين على قتل المتظاهرين فى موقعة الجمل أو قتلة الثوار بالمحافظات الأخرى؛ لتناسوا تبعيتهم للنظام البائد، وبكوا كثيرا، ودعوا لاجتماع طارئ فى ناديهم للمطالبة بمحاكمة المسئولين عن إهدار حقوق الشهداء.