عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: وماذا أعددتَ لها، قال: لا شئ إلاّ أَنّي أُحبُّ اللهَ ورسولَهُ صلى الله عليه وسلم ، فقال: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ" البخاري، المناقب 3412. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمحبته صلى الله عليه وسلم هي طريق الجنة، ومحبته الصادقة لا تكون إلا بمتابعته، إذ المحب الصادق لا يخالف من يحب ولا يعصاه، ولا يفعل ما ينهاه عن فعله، لأن المحبُّ يعلم أن ذلك يورث المحبوب حزنا على مخالفته له، ودعوى المحبة لله ورسوله سهلة ميسورة إن كان دعوى ليس عليها دليل، يقول بن القيم رحمه الله :"لمّا َكثُرَ المدعون للمحبة طُولِبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى فلو ُيعطى الناس بدعواهم لادعى الخليّ حرفة الشجيّ، فتنوّع المدّعون في الشهود فقيل لا تثبت هذه الدعوى إلا ببيّنة: قل إن كنتم ُتحبون الله فاتبعوني يحببكم الله، فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الرسول في أقواله وأفعاله وهديه وأخلاقه" زاد المعاد ج1ص59 .والمُكثِرون من الحديث عن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون التزام بسنته وهديه إنما هم يخالفون مقتضى الفطرة السوية التي تملي أن يتبع المحب محبوبه لا أن يخالفه. وقديما قال الشاعر: تعصى الإله وأنت تُظهر حُبه هذا لَعَمْرِيَ في القياسِ بَديعُ إنْ كان حبُك صادقا لأطَعتَهُ إنّ المحبَ لمن يُحِبُ مُطيعُ ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم هي في حد ذاتها ثوابُ لفاعلها، وإنما لا تصح ولا تكتمل إلا بالمتابعة كما ذكرنا، وكم من محبٍ للرسول صلى الله عليه وسلم ضل بالسير على غير هديه بما اخترع من بدع نسبها إليه صلى الله عليه وسلم . كذلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجاب السائل عن الساعة بما له فيه فائدة، فَعِلْمُ متى الساعة هو من علم الله سبحانه "قل علمها عند ربي في كتاب" طه 52، والإجابة جاءت بما هو قابل للعمل به لا مجرد علم نظري بحت، فإن العلم في الإسلام هو مفتاح للعمل، وقد كان الإمام مالك يقول:"لا أحب الكلام فيما ليس تحته عمل" يقصد الكثير مما شاع من السؤال عن مسائل لم تقع بعد (الأرأيتيات!) أو ليست مما يقع في حكم العادة، ولكن الأهم هو: وما أعددنا لها؟ أيّ والله ..ما أعددنا لها؟ والإعداد لها يبدأ بمحبة الله رسوله، وما يترتب على ذلك من صحة النية ومتابعة العمل. ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤنب السائل على سؤاله، وإن كان مما ليس عليه ردُّ، بل استشرف من السائل رغبة في المعرفة وتشوفا للعلم فوجهه التوجيه الصحيح بأن صاغ السؤال في صيغة عملية، وقد كان من الممكن أن يرد صلى الله عليه وسلم السؤال بأن يقول: هذا ليس من شأنك أو لا علم لنا بها، وهو الرد الذي جاء به القرآن حين تعرّض للحديث عن الساعة في عدّة مواضع منه "قل إنما علمها عند الله" الأحزاب 63، لكن جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلف عن جواب القرآن، ذلك أنّ القرآن يوجّه توجيها عامّا ويقرر أمورا أصولية في مجال العقيدة، وأمر الساعة في هذا المجال إلى الله سبحانه، وتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة هو من قبيل التوجيه الخاص والتربية، فهو قد بُعِث مُعَلِما، و"ما أعددنا لها" هو من قبيل التوجيه في المجال العمليّ سواء في مجال عمل القلب بمحبة الله ورسوله أو في عمل اللسان والجوارح بأداء الفرائض والكفّ عن المعاصيّ. فجواب القرآن يختلف في غرضه عن جواب السنة، كما رأينا، وكلاهما لازم للعقيدة والعمل الصالح وهذا البحث مجاله علم أصول الفقه. جعلنا الله من محبيه ومحبّي رسوله صلى الله عليه وسلم إنه سميع مجيب.