لم أرتح للقاء الرئيس بمن يسمون المثقفين والفنانين يوم الخميس 6/9/2012 ! من حق الرئيس أن يلتقي بمن يشاء، ويرفض مقابلة من يشاء، فله ظروفه، وله أسبابه في كل الأحوال. ولكني رأيت اللقاء المذكور يشير إلى مجموعة من النقاط الشكلية والموضوعية، أستطيع أن أوجزها فيما يلي: أولاً: إن المجموعة التي حضرت اللقاء باسم المثقفين المصريين، لا تمثل هؤلاء المثقفين بحال، إنهم يمثلون قطاعًا من المثقفين أعلن وزير الثقافة الأسبق أنهم دخلوا الحظيرة! وهم ينتمون فكريًا وثقافيًا إلى تيار ثقافي هو اليسار العلماني المتطرف الذي يرفض الإسلام في جانبه الحضاري –على الأقل- وأقصى ما يتوافق عليه؛ هو القبول بإسلام فرائض الوضوء ونواقضه، وليس إسلام فرائض الحياة ونواقضها. وهؤلاء هم الذين اصطفاهم النظام الفاسد الذي سقط رأسه في فبراير 2011، وهم الذين ساندوا طغيانه واستبداده، وطالبوا باستئصال الإسلام بوصفه إظلامًا وإرهابًا وعدوًا للحياة، وحرضوا – وما زالوا - على الإسلاميين وإقصائهم من الوجود السياسي والاجتماعي. وكان كهنة آمون وهم يقفون مع الرئيس في اللقاء المذكور لا يختلفون عن موقفهم ذاته في 30/9/2010 حين وقفوا مع المخلوع يسامرونه ويضاحكونه! إطلاق وصف مثقفي مصر على هؤلاء عدوان على عشرات الآلاف من المثقفين الحقيقيين في أرجاء مصر ومؤسساتها العلمية والمعرفية والثقافية بدءًا من الأزهر الشريف مرورًا بالجامعات والمراكز البحثية ومؤسسات التعليم العام وصولاً إلى مواقع العمل الإعلامي والصحفي والأدبي والاجتماعي والنقابي، وهؤلاء لم يتم تمثيلهم في اللقاء، مما يعني أن اللقاء لم يكن لقاء بالمثقفين المصريين. ثانيًا: إن تحويل مشكلة خاصة لإحدى الممثلات مع أحد علماء الدين إلى قضية عامة التبس فيها الحق والباطل، وتداخل فيها الموضوع الشخصي بتصفية الحسابات مع الحركة الإسلامية، لتصبح حالة قومية تهتز لها الرئاسة، وتسعى لتطويقها على حساب موضوعات اجتماعية وسياسية، أحدث شروخا لدى التيار الإسلامي، وشعورا بالإحباط عبر عن نفسه في بيان أصدرته مجموعة من المثقفين الإسلاميين الذين استنكروا فيه عدم دعوتهم لحضور هذا اللقاء - وفقًا لفقه التوازنات على الأقل – وليس رغبة في الاستمتاع بأضواء عدسات التصوير والحضور على شاشات التليفزيون. ثالثًا: تبدو ثنائية الابتزاز وتأليف القلوب واضحة للغاية في هذا اللقاء، فالمثقفون الذين تمت دعوتهم كانوا يمارسون الابتزاز ضد الرئيس وجماعة الإخوان والتيار الإسلامي عامة، وهو ابتزاز وصل إلى دركة الحضيض حين اتهموا الرئيس باتهامات خسيسة ملفوفة بسباب وشتائم ما كانت لتخرج منهم في الزمن الفاسد ضد مخبر في أمن الدولة أو موظف صغير في جهة سيادية. وأظن أن تأليف قلوب هؤلاء لم يؤتِ ثمارًا ذات قيمة اللهم إلا للمبتزين، حيث تمت طمأنتهم على امتيازاتهم الحرام، وإفسادهم للثقافة، وعدوانهم على حضارة الإسلام. إن فشل تأليف القلوب يرجع إلى سبب بسيط، وهو أن المؤلفة قلوبهم لا يؤمنون بمنهج الرئيس، ولا يعلنون عن تصالحهم معه، بل إنهم يرددون ليل نهار إن هذا المنهج أخونة، أي أسلمة، أي وحي من عند الله، وهم مؤمنون بماركس أو عبد الناصر أو حزب البعث أو صدام أو نيتشه، قبل أي أحدٍ. لقد خرجوا مرتاحين بعد اللقاء، وراحوا يشيدون ببساطة الرئيس واستماعه إليهم، ويعلنون أن التوجس قد أفسح المجال لقدر كبير من الثقة فى صدق الرجل وحسن نواياه، وإن كان بعضهم تندر بمذبحة القلعة التي يمكن أن يتعرضوا لها في القصر الجمهوري، والحمد لله أنهم خرجوا سالمين غانمين، ووزارة الثقافة ملك لهم وحدهم وليست للمصريين، وأنهم أقوى من القوات المسلحة، وفوق جميع السلطات، والفضل في ذلك كله لثنائية الابتزاز والتأليف. رابعًا: بدا دور وزير الثقافة في هذا اللقاء حاسمًا ومهمًا؛ فقد قدم للرئاسة مثقفي الحظيرة دون سواهم، لدرجة أنه دعا بعضهم ولم يستجيبوا، بل خرج نفر منهم يعلن أنه يرفض الدعوة، ولن يذهب لمقابلة الرئيس بسبب الأخونة! الوزير ابن الحظيرة وصناعتها، مع أنه أزهري دارس للتاريخ الإسلامي ومعطياته ولكنه من أجل الدنيا ارتاح للحظيرة وقوانينها الفاسدة، ولذا اختار أربعين ومائة شخص ليس من بينهم أزهري واحد أو مثقف يؤمن بالإسلام وحضارته في بناء المستقبل، وترك لرئاسة الجمهورية أن تختار مائة فقط، وكأنه أراد أن يخدع المسئولين في الرئاسة ليكون الاختيار مرهونًا بهم، ويخرج هو سالمًا من اتهام الانحياز إلى رفاقه الذين صنعوه وأتوا به وزيرًا للثقافة دون غيره من المرشحين الذين كانت شبهة الصلاة أو التدين تلحق بهم وتحول بينهم وبين التوزير! خامسًا: أتاح الوزير بدعوته لبعض المدعوين أن يصبحوا أبطالاً باعتذارهم عن مقابلة الرئيس، مع أنهم تماهوا مع النظام السابق، وبعضهم لا يرقى إلى مستوى المثقف الحقيقي الذي يحق له القبول أو الرفض. كنت أراجع مجلة المصورالعدد4459 الصادر بتاريخ 24/3/2010فوجدت مقالاً لأحد المعتذرين بعنوان "المواطن محمد حسني مبارك" بمناسبة عودة مبارك إلى البلاد بعد عملية جراحية أجراها في ألمانيا ، يقول في ختامه: "لم أستخدم أوصاف الرئيس والزعيم والقائد، لأنني أعتقد صادقًا أن المواطن المصري محمد حسني مبارك أسس شرعية المواطن في قلوب الناس قبل وبعد هذه الأوصاف". هذا ما قاله المعتذر الذي تحول إلى ثوري كبير بعد ثورة يناير، ووجد في نفسه القدرة على رفض دعوة الرئيس واتهامه بأخونة الدولة! ومهما يكن من أمر فقد اتهم مثقفو الحظيرة المنتمين إلى الإسلام بأنهم يقدسون الرئيس ويعصمونه من الأخطاء، ولم يكن ذلك صحيحًا فقد أعلن أحد أبنائه بأن المسلمين سيطيعونه ما أطاع الله، وها هي مجموعة من المثقفين الإسلاميين ترفض لقاءه بمثقفي الحظيرة الذين اغتالوا مثقفي مصر حين احتكروا الوصاية على الثقافة وأهلها، وتحذره من الانصياع لإرادة غير إسلامية، وقبل ذلك رفض كثير من علماء الإسلام فكرة الاقتراض من البنك الدولي، ما يعني أن الإسلاميين قادرون على المعارضة والترشيد بإذن الله، لأنهم يؤمنون أن القداسة لله وحده، والعصمة لأنبيائه دون غيرهم. ترى هل يسجل الرئيس فساد الثقافة في أجندته ليعالج وضعها الذي يسر الأعداء وحدهم؛ أم يتحول المثقفون الإسلاميون إلى يساريين كي يقابلوه ويكون لهم حق المشاركة في ثقافة الوطن؟