مشكلة الحركة الإسلامية بكل فصائلها أنها لم تهتم بالثقافة وخاصة الأدب بوصفه نشاطا ناعما يخاطب العاطفة والوجدان، مع أن فى داخل هذه الحركة مئات بل آلاف المثقفين فى فروع المعرفة كافة، ولديها كثير من الأدباء الموهوبين والشعراء والنقاد، ولكنها لا تلتفت إليهم بما فيه الكفاية مما يوحى للخصوم وخاصة من الشيوعيين والناصريين والليبراليين، أن الإسلاميين لا علاقة لهم بالثقافة، وأنهم لا يفقهون معنى الأدب أو الفنون الجميلة أو التعبير الفنى. حاولت عند صدور مجلة "الدعوة" فى السبعينيات أن يكون هناك بضع صفحات للأدب، وتكررت المحاولة عند إعادة إصدار "لواء الإسلام" بعد توقف الدعوة، فطُلب منى أن أشرف على الصفحات الأدبية التى وصلت أربع صفحات تناولت الفنون الأدبية المختلفة، وتركتها لأحد الزملاء عقب سفرى إلى الخارج لعدة سنوات، ثم توقفت عن الصدور مع حرب الخليج الأولى التى قامت لإخراج صدام حسين التكريتى من الكويت. الحركة الأدبية الإسلامية قامت بجهد فردى فى أغلب الأحيان، وأُنشئت رابطة الأدب الإسلامى العالمية خارج التنظيمات الإسلامية بمبادرة من العلامة الهندى الراحل أبو الحسن الندوى – رحمه الله – واختيرت الرياض بالسعودية مقرا لمكتب البلاد العربية. ومع صعوبة عمل الرابطة وقلة إمكاناتها المادية إلا أنها أثبتت وجودها، وافتُتِحت لها فروع فى الهند باكستان وبنجلاديش وتركيا والمغرب ومصر والسودان واليمن والمغرب والكويت.. ولعل إنجازها الأكبر كان إصدار مجلة الأدب الإسلامى الفصلية التى صار عمرها نحو ربع قرن، وإقامة المسابقات للرواية الإسلامية وأدب الأطفال والشعر، ونشر ما يزيد عن خمسين كتابا فى فروع الأدب المختلفة، بالإضافة إلى ترجمة روايات ودواوين لأدباء إسلاميين من غير العرب. لقد عقدت رابطة الأدب الإسلامى مجموعة من المؤتمرات حول الأدب الإسلامى فى المدينةالمنورة واسطنبول ومراكش والقاهرة وغيرها لمناقشة العديد من القضايا الأدبية والفنية فى غياب شبه تام للإعلام الذى يعادى بالضرورة كل ما يمت للإسلام بصلة، أو على أحسن الفروض لا يهتم بالإسلام وشئونه. كان سقوط الحكم العسكرى فى مصر بعد ستين عاما من الإرهاب والحصار والملاحقة لكل ما هو إسلامى إيذانا بتحرير الإسلام من قبضة العلمانية المتوحشة التى فتحت السجون والمعتقلات لمن يقول ربى الله، وحاربت تدريس الإسلام فى التعليم، والتعبير عنه فى الإعلام، وحرّمته فى الثقافة، واستعملت مجموعات من أشد الناس عداوة للإسلام من الشيوعيين (تلامذة هنرى كورييل) والناصريين والليبراليين ومرتزقة كل العصور، فأقصوا كل من يشمون فيه رائحة الإسلام، وروجوا لكل ملحد يسب الله ورسوله، ودعوا إلى التعبير عن الإباحية فى الكلمة المكتوبة والمصورة والمجسدة على المسرح، وعدوا ذلك تقدمية واستنارة وتجاوزا للرجعية والأصولية والتخلف. كان المأمول بعد تحرير الإسلام أن تهتم الحركة الإسلامية بالآداب والفنون، ولكنها انشغلت بالسياسة والصراع مع التيارات المعادية، فكانت الهجمة الإجرامية من جانب خصوم الإسلام على الإسلاميين واتهامهم بالعداء للأدب والفن والثقافة، والادعاء أنه لا يوجد أدباء إسلاميون ولا مثقفون إسلاميون، ولا مفكرون إسلاميون، لدرجة أن توقح نخنوخ الثقافة وادعى أن من يطلق عليهم مثقفين إسلاميين مجموعة نكرات مجهولين لا يعرفهم أحد! مع أنهم النواة الصلبة للثقافة العربية والإسلامية فى العالم الإسلامى كله، وليس فى مصر وحدها. لقد استضافت مجلة الهلال فى الشهر الماضى مجموعة من المثقفين الإسلاميين ليدافعوا عن أنفسهم بوصفهم يمثلون الثقافة الإسلامية المتهمة من جانب اليسار الشيوعى والناصرى. كان من الواضح تحامل الندوة والجانب الشيوعى على الإسلاميين، بل إن رئيس التحرير الجديد للمجلة وهو ناصرى قريب من الشيوعيين وموال لهم، اهتم بإبراز مقولات الشيوعيين وصورهم بطريقة لافتة فى عرضه للمناقشات على صفحات الهلال، وحوّل الإسلاميين إلى ما يشبه الأسرى فى قبضة جيش من الغزاة مع أنهم أصحاب الأغلبية وأصحاب الثقافة التى تؤمن بها الأكثرية الساحقة من المصريين.. والأدهى من ذلك أن الحكومة التى يفترض أنها منسوبة إلى الإسلام استضافت فى لقاء الرئيس المنتمى إلى الإخوان المسلمين مع المثقفين والفنانين؛ أدباء الحظيرة الثقافية التى نمت وسمنت وبشمت فى عهد فاروق حسنى، ليمثلوا مثقفى مصر، ولم يكن بجوارهم أديب أو مثقف واحد يقول ربى الله أو يؤدى الصلاة! وحين احتج بعض المثقفين الإسلاميين على هذا الأمر الغريب المجافى لطبيعة مصر المسلمة، قامت الدنيا ولم تقعد، وثارت ثائرة الشيوعيين وكتاب الأمن وأنصار النظام البائد، لأن الناس يرفضون أن يكون حول الرئيس محمد مرسى، من التفوا حول الطاغية المخلوع فى 30/9/2010م، وخرجوا من لقائه يشيدون ببطولاته وضربته الجوية ويفاخرون أنهم ناقشوا معه أسعار الطماطم! حين يكون كهنة آمون الذين يرفضون الإسلام، ويزدرون المسلمين، ويعلنون بلا مواربة.. حتى بعد لقائهم بمرسى أنهم لا يؤيدونه، ولا يطمئنون إلى المستقبل، ويخافون على ما يسمى الدولة المدنية، فإن الأمر يثير كثيرا من علامات التعجب والاستغراب والغيظ الكظيم! ثم تكون الفجيعة أشد حين نرى أن بعض من وقعوا على بيان المثقفين الإسلاميين يتراجعون خوفا من التنظيم الذى ينتمون إليه، وليس رجوعا إلى الحق، ويدعون أن بعض من وقعوا على البيان لم يفعلوا ذلك! إن خيبة الإسلاميين أمام جبروت الشيوعيين وأشباههم يفرض على الحركة الإسلامية أن تراجع نفسها، وأن تصحح مواقف السلطة ولو كانت إسلامية، فهى ليست مقدسة ولن تكون، ويجب أن تنتهى هذه السلطة عما يسمى تأليف القلوب. لأن من تؤلفهم لم ولن يعلنوا الهدنة مع الإسلام، فضلا عن أن يعلنوا الانضواء تحت لوائه، فهم يقولون علنا فى كتب منشورة إن الإسلام منتج تاريخى، أى ليس وحيا إلهيا. وقد خرجوا من لقاء مرسى أشد ضراوة على الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية وأهل الإسلام جميعا.. فهل يتعلم من يعنيهم الأمر؟