أسعدني كثيرًا وصول فرقاء حزب "النور" إلى اتفاق سياسي برعاية أقطاب الدعوة السلفية، وفي مقدمتهم الأخوان الكريمان الشيخ محمد إسماعيل المقدم والشيخ سعيد عبد العظيم، كان لا بد لصوت العقل أن يعلو فى مثل هذه الأزمات، وكان لا بد للمرجعيات التاريخية للتيار السلفي في مصر أن يكون لها كلمتها وحضورها وحسمها لمثل هذا الخلاف، نحن لا نتحدث عن عالم المثل الآن، فنقول بالفصل الكامل بين الدعوة والحزب، هذا ما نتمناه، ولكن هذا الأمل سيحتاج إلى عدة سنوات من إعادة الهيكلة وتشكيل بنى مؤسسية للحركات والتيارات الإسلامية كافة تنظم فعالياتها في مرحلة جديدة كليا في مصر، وهذا الذي نقوله ستحتاج إليه حتمًا أكثر من حركة وأكثر من حزب، فحزب الحرية والعدالة سيحتاج يومًا ما إلى الاستقلال عن جماعة الإخوان المسلمين، الآن وإلى سنوات مقبلة سيظل الحرية والعدالة واجهة للجماعة، لا يمكن لمسؤول حزبي أن يتخذ قرارًا ذا بال دون الرجوع إلى مكتب الإرشاد، وهذا مفهوم ومنطقي الآن، لأن الحزب ولد بقرار الجماعة ورعاية الجماعة ونفقات الجماعة وقيادات الجماعة، ليس هذا وضعًا طبيعيًا ولا صالحًا للعمل السياسي، ولكنه مع ذلك سيظل هو الوضع الحاكم لتلك العلاقة لسنوات عدة قبل أن تطمئن كل القوى والتيارات لاستقرار أوضاع وهياكل مؤسسية في الدولة تزيل أي هواجس من انتكاسات محتملة أو عودة منظومة القمع والاستباحة، الأمر نفسه مع حزب النور والدعوة السلفية، فالحزب هو ابن الدعوة صراحة، نشأ بقرارها ونشأ برجالها وشبابها ونشأ بأموالها ودعمها ونشأ بمنهجها وسياساتها، ولا يمكن للحزب أن يتخذ قرارًا ذا بال بدون الرجوع إلى الدعوة وقياداتها، ولعل الاستعجال في تجاوز هذه الحقيقة كان سببًا في الأزمة الأخيرة، أنا أتعاطف جدًا عقلانيًا وسياسيًا مع ضرورات فصل الحزب السياسي عن الدعوة التي نشأ في ظلها، فهذا لمصلحة الحزب ومصلحة الدعوة ومصلحة الوطن أيضًا، ولكن هذه الأمنية لا يمكن القفز إليها دفعة واحدة، يحتاج الأمر إلى مران سياسي كافٍ قد يستغرق سنوات، كما يحتاج إلى ترسيخ فكرة المؤسسية في الأعمال، ويحتاج قبل ذلك إلى نظريات جديدة في البناء التنظيمي والسياسي وآفاق العمل والرسالة للتيارات الإسلامية، تستوعب التحولات الاجتماعية والسياسية والدينية الجديدة، وتحدد هياكلها ودورها في إطار هذه الرؤية الجديدة، وهذه المعضلة خاصة بالتيار الإسلامي وحده، وخاصة الإخوان والدعوة السلفية والجماعة الإسلامية، وأتصور أن المستقبل سيشهد مثل هذه النقلة بكل تأكيد، لكن الاستعجال فيها قد يسبب أزمات وتصدعات خطيرة على النحو الذي حدث في حزب النور، وهي نسخة جديدة مع فارق اللحظة التاريخية وملابساتها من أزمة الإخوان وحزب الوسط، على كل حال، أرجو أن توفق الجمعية العمومية للحزب في حسم اختيارها الخميس المقبل لقيادة الحزب واختيار رئيسه الجديد، سواء بقي الدكتور عماد عبد الغفور أو تم اختيار غيره، فالأشخاص زائلون ويتغيرون، والدعوة هي التي تبقى ومصالح الوطن هي التي ينبغي أن تعلو على حسابات الأشخاص. [email protected]