فى مصر الآن مشكلة اسمها جمال مبارك” ويمكنك أن تقول مطمئناً إنه أم المشاكل فى البلد” لأنه يقف عقبة أمام حدوث أى إصلاح سياسى فى مصر” فجمال مبارك” خطف عناوين الإصلاح” ووضع بصمته عليها” وربما ختمها بخاتم لجنة السياسات” ولم يشأ أن تمهر بخاتم النسر حتى تنسب إليه وحده” وليصبح بعدها قائد عملية العبور إلى المستقبل وصاحب الضربة الحزبية التى قفزت به إلى موقع الرئيس القادم للبلاد! والمشكلة ليست أن جمال خطف عناوين الإصلاح وأفرغها من مضمونها” وتلاعب بها حتى تصبح ملائمة أكثر لترسيخ أقدامه فى موقع الرئيس الذى طال انتظاره” ولكن مشكلة جمال ومعه مشروع التوريث أنه احتفظ بجوهر سياسات الرئيس الأب مع اختلافات فى اللغة بين رئيس قارب على الثمانين ويبدو عازفا عن ممارسة صلاحياته” ورئيس لم يكد يفارق الأربعين ويبدو تواقا لممارسة كل الصلاحيات علانية وقد سأم ممارستها من وراء حجاب! السياسة واحدة واللغة مختلفة” وكان لابد أن يختلف الرجال” كان لابد أن يختلف رجال الرئيس الشاب عن رجال الرئيس الأب” وكان لابد أن يختلف رجال الرئيس الذى يوالى رجال الأعمال عن الرئيس الذى هو واحد منهم” وكان لابد أن يختلف رجال الرئيس الذين أصبحوا كخيل الحكومة برجال يصلحون للبقاء فترة أطول فى خدمة الرئيس الجديد! وعندما اخترع القائمون على مخطط التوريث لجنة السياسات بالحزب الوطنى وأعطوا رئاستها لجمال مبارك” جاءوا بأعضاء لها مثلهم مثل رئيس اللجنة كلهم لم يأتوا كإفراز طبيعى من قواعد الحزب وتشكيلاته” لكنهم هبطوا جميعاً من أعلى ليتولوا قيادة الحزب مباشرة دون أى نشاط حزبى سابق وبدون سابق خبرة سياسية” واستخدمت فى عملية الهبوط المفاجئ خبرات بقيت فى ذاكرة القائد السابق لسلاح الطيران المصري” وتم تيسير الأمور فى ظل النفوذ المسيطر للرئيس الأب” والنفوذ الناشئ للرئيس الابن الذى لم يكن ليشارك فى الحياة السياسية أو الحزبية” ولا حتى الحياة الاجتماعية لولا وجود والده فى الحكم. لم يكن هدف جمال مبارك ولا كان هدف الذين معه خلق ديناميكية وروح جديدة داخل شرايين الحزب وهياكله المتصلبة” بل بقى هدفهم الوحيد هو إعداد المسرح لاستقبال الرئيس الجديد بالموافقة شبه الإجماعية” وبالتصفيق الحاد المتواصل. لم يحمل جمال مبارك” ولا حملت لجنته للسياسات أية أفكار جديدة يمكن أن تحرك الجمود الفكرى والسياسى فى الحزب” بل حمل معه مشروع إحلال وتجديد الولاءات من نظام الرئيس الأب إلى نظام الرئيس الابن” مشروع يجعله يختار رجاله على عينه” ويختبرهم فى غير مدد حكمه” فإن أحسنوا وكانوا عند حسن ظنه فبها ونعمت” وإن لم يفعلوا أطاح بهم ورماهم رمية الكلاب! ونستطيع أن نعلن على مسئوليتنا أن التوريث أصبح واقعاً” ولم يعد الذين دأبوا على نفيه فى حاجة الى ذلك النفي” ولم يعد للخجل حمرة على وجوههم! والحقيقة أن جمال مبارك بدأ عملية الإحماء ونزل إلى التراك الرئاسى من سنوات” وكل ما يحتاجه الآن أن تنتقل السلطة رسمياً إليه بعد أن أحكم سيطرته على الحزب الحاكم وحكومته. وأكاد أجازف بالتأكيد على أن الرئيس مبارك موجود فى سدة الحكم كما هو واضح من ظاهر الحال بشكل مؤقت حتى تنضج الظروف لإعلان رئاسة نجله جمال مبارك! ويمكن أن نقول مرتاحى البال ومطمئنى الفؤاد إن مستقبل مصر أصبح على كف عفريت لجنة السياسات” وإن الحياة السياسية فى مصر لن تشهد أى إصلاحات جدية فى ظل تعاظم نفوذ ودور جمال مبارك. لم يعد جمال مبارك مجرد وريث طامح وطامع فى سلطة أبيه ولا هو الآن نجل الرئيس وووريثه المرتقب بل كل الشواهد والأدلة العقلية والنقلية تؤكد أن سلطات الابن اتسعت لتشمل مواقع لم يكن أصحاب مخطط التوريث يحلموا انها ستدخل بهذه السرعة وبهذا اليسر فى مجال تأثير الرئيس الوريث. وليس لنا إلا أن نقرأ تراجع الحزب الوطنى عن الوعود التى أطلقها خلال الانتخابات الرئاسية وعلى رأسها الوعد بالتحول إلى نظام القائمة النسبية فى انتخابات البرلمان المقبل” إلا فى ضوء التحضيرات المحمومة للانتقال إلى الفصل الأخير من مسرحية التوريث” وقد تقرر الإبقاء على النظام الفردى حتى يظل جمال مبارك متحكماً فى عملية الترشيح ليأتى برجاله وبالمتحالفين معه من رجال الأعمال الى مجلس الشعب الذى ستكون مهمته الرئيسية اختيار المرشح الرئاسى المقبل! وما عودة النظام إلى سياسة المماطلة وأنصاف الحلول” خاصة بما يتعلق بإلغاء قانون الطوارئ وتغيير نظام الانتخابات البرلمانية” ووضع دستور جديد للبلاد يتلاءم مع تطلعات الشعب المصري” إلا لأن الرئيس القادم لا يريد أن يدخل عصره الرئاسى مكبلاً بفاتورة إعادة انتاج صورة جديده لوالده لم تعد تصلح معها كل المساحيق وأدوات التجميل. والمشكلة الرئيسية التى يمثلها جمال مبارك أنه يريد أن يأخذ مصر وعشرات الألوف من المصريين معتقلين ظلماً فى سجون نظام أبيه لسنوات طوال” ويريد أن يأخذ مصر وسياسة التعذيب وانتهاك آدمية الناس فى السجون وأقسام الشرطة هى السياسة المعتمدة لدى نظام يرثه بدون حتى آهة توجع ولا وخز ضمير! يريد جمال مبارك أن يأخذ مصر بدون وعد ولو كاذب بالقضاء على الفساد الذى استشرى فى دولة أبيه! مشكلة مصر: جمال مبارك” ومشكلة جمال مبارك أنه يريد أن يأخذ مصر بلا ثمن!. العربي