مقالك معضلة الأرض الزراعية كان له وقع الصاعقة في نفوس القراء المدركين هول الخطر المحدق بمصر من جراء الاعتداء المتواصل علي الأرض الزراعية بشتي أنواع البناء والتجريف وبالذات من جانب ذوي النفوذ والمستثمرين خلال الانتخابات الرئاسية واحتمال عدم توقف هذه الاعتداءات خلال الانتخابات البرلمانية القادمة وخاصة من جانب مرشحي الحزب الحاكم. إن القضاء التدريجي علي الرقعة الخضراء الضيقة من أرض مصر هو قضاء علي حياة الجماعه المصرية ومستقبلها. وهو بمثابة جريمة إبادة بطيئة للجماعة المصرية, ولا فرق في الواقع بينه وبين ماترتكبه إسرائيل بأرض فلسطينالمحتلة من تجريف للزراعة وبناء للمستعمرات كي لايجد الشعب إقليما صالحا للحياة, اللهم سوي أن مرتكبي الجريمة في الحالة الاخيرة هم الأعداء وفي الحالة الأولي من نفس الجماعة. لقد دق العالم المصري الكبير فاروق الباز ناقوس الخطر منذ سنوات مؤكدا أن الاستمرار في الاعتداء علي أرض مصر الزراعية بهذه الصورة من شأنه أن يقضي علي الأرض الخضراء في ستين عاما علي الأكثر ولعله كان متفائلا في هذا التقدير إذ لم يكن الاعتداء يتم بالسرعة الحالية وبهذا التحدي الصريح للقانون. وإزاء هذا الخطر الداهم فإن كل مواطن يحق له من باب الدفاع الشرعي عن حياته, وحياة ذويه أن يقف في وجه كل من يجرؤ علي تخريب قطعة من أرض مصر الزراعية مهما صغرت اذا لم يقم بذلك المسئولون الذين تقع هذه الجرائم جهارا نهارا تحت سمعهم وبصرهم. ولا مجال للتشدق بتشديد العقوبة إذ أنها لن تكون رادعة طالما كانت فرص الآفلات منها ميسرة بهذه الصورة كما إنه لايكفي توقيع العقوبة بل يتعين محو آثار الجريمة ولعله من المناسب في هذا المقام توجيه الأنظار إلي خطر لايقل شراسة فقد أثبتت الدراسات أن دلتا وادي النيل تقع من بين الأماكن المعرضة لغزو مياه البحر التي يرتفع مستواها نتيجة لذوبان الثلوج بالقطبين الجنوبي والشمالي تحت تأثير زيادة حرارة الكرة الأرضية. ومن ثم يتعين الإسراع بتشييد مايلزم من حوائط خرسانية لحماية دلتا النيل من أي احتمال للغرق ولا يجوز بحال من الأحوال للحزب الوطني الحاكم السكوت علي أي اعتداء علي تربة مصر الخضراء مهما كان الكسب السياسي. وقد آن الأوان ان تكون شعارات الحزب هي منهاجه العملي وان يكون الحرص علي مستقبل الأجيال القادمة في صدر قائمة أولوياته حتي لايعمنا الفناء أرضا وشعبا. د. فؤاد عبدالمنعم رياض * في تقرير أذاعته منظمة جرين بيس العالمية أخيرا, حذرت فيه من احتمالات فقدان ثلث الدلتا نتيجة ارتفاع مياه البحر, وليست هذه هي المرة الأولي التي يحذر فيها خبراء عالميون من هذه الأخطار. ونحن نشهد الآن كيف دمرت الكوارث الطبيعية ولاية بأكملها في امريكا.. ----------------------------------------------- صحيفة الاهرام 12-10-2005