مع بداية رمضان وكل رمضان تنطلق خطب الجمعة في المساجد تحث المسلمين على الإكثار من الصلاة والإعتكاف وقراءة القرآن حتى يحصد المسلم ما يستطيعه من أجر وثواب. وهذا كلام متكرر نسمعه في كل رمضان ، مثله مثل الخطب المملة التي أصبحت نموذجا للغالبية الساحقة من خطب الجمعة في مساجد مصر: نفس الكلام من تاريخ الصحابة والسيرة النبوية الشريفة يتكرر من مسجد إلى آخر دون أية محاولة لإسقاط السيرة والتاريخ على واقعنا الحالي، حتى أصبح من المستحيل العثور على خطيب قادر على التجديد وكسر المألوف. وقد يكون هذا أحد أهم إنجازات حكم مبارك الذي تجعل قوى الغرب أشد إصرارا على التمسك به : فقد فرض جموده وتصلبه وعدم قدرته على التغيير على كافة مجالات الحياة في مصر، ومنها الخطاب الديني أو خطبة الجمعة. لم أسمع حتى اليوم خطيبا يحذر المسلمين من خطيئة عدم إتقان المسلم كيفية التخاطب والكتابة باللغة العربية لكي يتمكن من أهم الأسلحة المطلوبة لمقاومة إستبداد حكام الطغيان والفساد. ولأن سيدنا موسى عليه السلام كان يتلعثم في كلامه حتى قال عنه فرعون (هذا الذي هو مهين ولايكاد يبين) ، تحايل على ذلك بتجنيد أخيه هارون لكي يخاطب أعدائه بالنيابة عنه. لم أسمع خطيبا ينبه المسلمين إلى ضرورة إستغلال هامش حرية التعبير المتوفر في مصر منذ سنوات لإغراق الصحف بخطابات الإحتجاج على مفاسد ومظالم نظام حكم مبارك. لم أسمع خطيبا يطرح قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وضرورة أن يعلي المسلم كرامته الإنسانية وإمكاناته العقلية فوق أي إعتبار آخر، ولا يسمح لأحد بانتهاك الأولى والاستخفاف بالثانية. لم أسمع خطيبا يحذر المسلم من خطيئة عدم تعلم الإنجليزية ، وهي اللغة الأولى في عالمنا اليوم ، وبدونها يستحيل التواصل مع شعوب الغرب. ألا يعد ذلك خطيئة في حق الدين والوطن؟ لقد أصبح الإنترنت سلاحا إعلاميا في غاية الخطورة على كل مسلم أن يبذل جهده للتمكن منه وإستغلاله أفضل إستغلال ، وذلك أولا بقراءة صحف الغرب ، وخاصة الصحافة الصهيونية حتى نتعلم كيف يكيدون لنا ، وثانيا بالتواصل مع شعوب الغرب التي هي ليست بالضرورة كارهة لنا إلا بقدر ما تتعرض له من غسيل مخ دعائي وحملات تضليل إعلامية ، ويبقى الذنب ذنبنا نحن لأننا نترك الساحة الإعلامية خالية لكي يعربد فيها الصهاينة كيفما شاءوا متعللين بأن التواجد الإعلامي هو مسئولية أنظمة حكم نعلم بأنه يستحيل الإعتماد عليها لإعادة حقوق ضائعة أو لتصحيح صور مشوهة. لم أسمع خطيبا ينبه المسلمين إلى محاولة إختراق حاجز الجهل والتضليل الذي يفرضه حكامنا علينا حتى لا نعي بما يحدث حولنا ونبقى "كافيين خيرنا شرنا".لم أسمع خطيبا يطالب المسلمين بالإحتجاج على الجزية التي يدفعها العرب إلى قوى الاحتلال ، سواء كانت هذه الجزية نفطا خليجيا تودع أمواله في بنوك الغرب لتمويل صناعة السلاح والموت ، أو كانت غازا مصريا يذهب إلى إسرائيل لتوفير ما تحتاج إليه من طاقة في حربها على الشعب الفلسطيني ، ولتحرم منه أجيالنا القادمة ، أو كانت الجزية حقوقا عربية أصيلة يتم التفريط فيها من أجل تأمين العروش . إن أهم أسباب إنتصار الصهاينة علينا في كل معاركهم حتى اليوم هو تمكنهم من إختراق مجتمعات الغرب بالخطابة والكتابة والسينما والفنون بأنواعها ، فمتى يتناول خطباء الجمعة هذه القضايا التي أصبحنا لانتحمل ترف إستمرار الجهل بها؟ متى أسمع خطيبا يجيب على السؤال التالي : أيهما أجدى وأنفع للمسلمين : قضاء ساعتين في صلاة قيام أو قضاؤهما في صياغة خطاب إلى (نيويورك تايمز) يرد على إفتتاحية ظالمة للعرب؟ [email protected]