بدأنا فى مقال الأسبوع الماضى حديثاً عن تقييم المبادرة الرباعية، استعرضنا من خلاله العلاقات المصرية السعودية، ونستكمل اليوم الحديث عن تركيا وإيران ومصلحة كل منهما فى الدخول إلى هذه التفاهمات الرباعية، فأما تركيا فقد عانت طويلاً من العزلة السياسية، فبرغم أنها تقع على حافة القارة الأوروبية، وبرغم أنها حاولت مرارًا وتكرارًا التقرب إلى الاتحاد الأوروبى، إلا أن الأسرة الأوروبية لم تفتح قلبها وعقلها لمحاولات التقارب وكأنها لم تنس أبدًا العداء التركى القديم منذ عهد الخلافة الإسلامية وما كانت تمثله من خطر عليها، فضلاً عن التحالف التركى مع ألمانيا النازية فى غزوها لأوروبا، فبقى هذا التاريخ القريب حائلاً بين تركيا وبين الاندماج مع القارة التى تنتمى إليها، وبرغم أن تركيا تقع أيضًا على حافة العالم العربى، فإنها لم تستطع أن تشق طريقها إلى قلوب الدول العربية، ففى دول الخليج ذات التوجه الإسلامى المحافظ كانت صورة تركيا بعد كمال أتاتورك شائهة باعتبارها الدولة التى أسقطت الخلافة الإسلامية، والتى انتهجت منهاجًا علمانيًا ونحت الإسلام جانبًا، وأما الدول العربية فى المغرب العربى فكان ارتباطها الوثيق بأوروبا، فضلاً عن الفاصل الجغرافى الكبير، حائلاً أمام تركيا نفسها منعها من محاولة التقرب إليها.. وأما سوريا والعراق ومصر فقد كانت تتعاقب على حكمها أنظمة علمانية شديدة الحرص على إقصاء الإسلام عن قلوب الناس، وكانت ترى فى تركيا ذلك الرمز الذى يجب طمسه من الحياة اليومية خوفاً من إثارة الحنين إلى ماضٍ قريب، وهكذا بقيت تركيا كتلة منعزلة تفتقد إلى الدور الإقليمى المناسب رغم ثقلها النسبى اقتصاديًا وعسكريًا إلى أن وقع أمران أولهما ارتفاع شأن الأحزاب الإسلامية فى تركيا مؤخرًا، وثانيهما ثورة 25 يناير وارتفاع شأن التيار الإسلامى فى مصر، فكانت المبادرة الرباعية هى الفرصة التى تقدمها مصر إلى تركيا لتعود إلى الساحة العربية لتلعب من جديد دورًا مؤثرًا فى منطقة الشرق الأوسط. وأما عن إيران فهى المشكلة وهى الحل، الكل تعجب من مصر: كيف تدعو إيران للاشتراك فى المبادرة وهى تدعم النظام السورى ضد شعبه بالمخالفة لوجهة نظر الدول الثلاث الأخرى، وفى نفس الوقت كان العجب الأشد من قبول إيران الاشتراك فى المبادرة بلا تردد وبكل ترحيب رغم هذا الخلاف، ورغم خطاب مرسى الصادم، ورغم الرد عليه من قياداتهم بتصريحات عنيفة أيضًا، إذا فهمنا سبب الدعم الإيرانى للنظام السورى، وإذا عرفنا المصلحة التى تعود على إيران من هذا الدعم، نكون قد وضعنا يدنا على المشكلة، لأن النظام السورى إذا تعرى عن الدعم الإيرانى فمصيره الانهيار والزوال، فإذا استطعنا أن نحقق لإيران ذات المصلحة، بل وأكثر منها بكثير، بعيدًا عن النظام السورى، نكون قد وضعنا يدنا على الحل الحقيقى والفعال للمشكلة السورية، من أجل ذلك كان التصريح المصرى بأن إيران هى المشكلة وهى الحل، وفى الحقيقة إن إيران تعيش فى عزلة بين جيرانها، من الشرق باكستان التى تختلف عنها فى المذهب واللغة والعرق، ومن الغرب العراق ودول الخليج التى لم يشفع الشريط الشيعى لديها فى تجاوز خلافاتها مع إيران، فلما غزت أمريكا العراق وأصبحت تشرف على الحدود الإيرانية، تفاقم الخطر وتعاظمت حاجة إيران إلى حليف إقليمى فوجدت مبتغاها فى النظام السورى الذى استشعر خطر الوجود الأمريكى كذلك، فإذا استطعنا أن نوفر لإيران تحالفاً بديلاً عن النظام السورى وأقوى منه، فلا شك فى أنها ستقابل هذا العرض بكل الترحيب، من أجل هذا دعت مصر إيران إلى المبادرة رغم أنها تقف ضد الشعب السورى، ومن أجل هذا وافقت إيران بكل حماس باعتبار أن المبادرة تدخلها فى تفاهم إقليمى أهم كثيرًا من التحالف مع سوريا، وقد يكون هذا التفاهم هو النواة لشرق أوسط جديد تفرض فيه القوى الإقليمية حلولها على الأرض. [email protected]