يروى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه سأل الصحابة ذات يوم قائلاً {أرأيتم إن أسندت للمهمة الكفء الأمين أأكون قد أديت؟ قالوا نعم قال عمر: لا, حتى أرى ماذا يصنع؟.. كلمات من ذهب نطق بها الفاروق لتكون هدياً على طريق الرقابة الإدارية للجهاز الحكومى.. فالمتابعة وتقويم الأداء خطوة متممة للتخطيط والتنفيذ يطمئن بها الرئيس على أداء جهازه التنفيذى ويحاسب المقصر, ويكافئ المجتهد ويطور الأداء.. فالمتابعة ركن من أركان الإدارة, وركيزة من ر كائزها.. فإذا أسند الرئيس مهمة إلى حكومة أو هيئة أو مؤسسة فى الدولة, لابد أن تكون المهمة واضحة المعالم, كما يوفر له الإمكانات اللازمة لانطلاق العمل, ثم ينظر فى خطة هذه الوزارة بعد إعدادها من المختصين ويناقشهم فيها, ثم يصدق عليها حتى إذا بدأت العمل كانت فى الاتجاه الصحيح الذى يريده للدولة, ووفق الخطة العامة الشاملة للبناء والنهضة والتنمية والإصلاح. ويحضرنى فى هذا الموضع قول الله تعالى { عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض فينظر كيف تعملون } فلقد أزاح الله عنا النظام البائد بفضله وكرمه, وأعطانا الفرصة لإدارة البلاد خلفاً للثلة الفاسدة, ثم هو تعالى يراقب ماذا نعمل؟ هل سنؤدى حق الله فيما استرعانا فيه أم لا؟ ومن عظيم النص القرآنى أنه استعمل كلمة تعملون ولم يقل تقولون لأن العمل يشمل القول, ولكن القول لا يشمل العمل, لأن هناك مَن يتكلم كثيراً ولا يعمل قط. وانظر معى أيها القارئ الكريم إلى موقف الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضى الله عنه حين تولى الخلافة صعد إلى المنبر ليلقى كلمة فأُرتج عليه أى تلعثمت منه الكلمات, فقال لقد ولّى عليكم أمير عامل, وليس بمتكلم.. فنحن اليوم بحاجة إلى العمل أكثر من حاجتنا إلى الوعود التى تحولت إلى قيود يطالب الناس بتحقيقها ويغضبون لعدم الوفاء بها. إن المواطن البسيط فى الشارع المصرى يسأل كل من يعرفه منا لماذا لم نشعر بتحسن الأحوال فى مجالات كثيرة؟ فالأسعار فى ازدياد والتيار الكهربائى متقطع, والمياه ليست نظيفة, وطوابير العربات أمام محطات الوقود طويلة, وحركة المرور بطيئة, والقمامة مكدسة على جنبات الشوارع, ونحن لازلنا نجيب عليهم بالإجابات المطمئنة ونبشرهم بالمستقبل ونوصيهم بالصبر, ونؤكد لهم أن الدولة البائدة لازالت تقاوم وتضع السدود أمام حركة المجتمع, بل إن هناك مَن الجهاز الإدارى من يتحرك عكس مهمته التى أسندت إليه, فمثلاً ديوان المظالم الذى تم إنشاؤه مؤخراً يوجد به من الموظفين من يحرض على عدم تقديم الشكاوى, ويدفع بهم إلى الذهاب إلى قصر الاتحادية والاحتشاد من حوله, ويوصى بعدم الانصراف حتى يأخذ حقه!!, وهناك من شرطة المرافق من يطارد الباعة الجائلين فى الشوارع, ويصادر عرباتهم الخشبية ويؤكد لهم أن هذه أوامر الرئيس!! فإذا قالوا ومن أين نأكل قال لهم هذه ليست مشكلتى.. هذا بالرغم من وجود مساحات فى المحافظات يمكن أن تتحول إلى أسواق تجارية وبشكل سريع يحتوى هذه المشكلة قبل وقوعها. إن الأجهزة الرقابية فى البلاد كثيرة ومتنوعة, ولكن هل هى تقدم للمسئولين التقارير الصحيحة أم تتستر على المخالفين؟ هذا هو المطلوب إثباته.. لأن المعلومات المتيسرة لدينا أنه لازالت هناك أجهزة أمنية ورقابية تقدم معلومات مزيفة بل إن هناك مَن يتعامل منها مع المواطنين بنفس الطريقة السابقة ولايزال الأمل لديها فى الوقيعة بين الرئيس والقوى الوطنية قائماً, فلا بد من إزاحة هؤلاء لأن التشكيلة النفسية التى عاشوها فى كنف النظام السابق قد أكسبتهم مهارة فى الفساد تشربتها القلوب فأصبحت معهم كالعادة التى لا يستغنى عنها أصحابها, بل وربما تستعصى على الحل. وأذكر أنه لما كنا فى بداية حياتنا العملية ونحن نقود وحدات صغيرة فى القوات المسلحة كنا نقدم للمستوى الأعلى تقرير نجاح عن شهر منصرم ونضع خطة العمل عن شهر قادم, نعالج فيها سلبيات العمل التى فاتتنا فى الشهر السابق, وكنا وقتها نعتمد على التسجيل بالقلم فى دفاتر ونماذج معدة لذلك, واليوم قد تطورت نظم المعلومات ودعم القرار بشكل يسمح للمسئولين بالاطلاع على أعمال المرؤوسين ومراقبة أنشطة الأجهزة على مدار الساعة بالأرقام والمؤشرات, وهذا هو أحد أوجه الاستخدام الصحيح للتكنولوجيا التى نحتاجها بشكل فورى كى نعرف أين نقف الآن؟ وماذا أنجزنا؟ وماهى مواضع التقصير فنعالجها ومواضع النجاح فنقويها ونطورها.. وكل هذا لن يجدى طالما أن هناك طائفة من كبار المواطنين فى الدولة لازالوا يبكون على أطلال الماضى آملين فى عودة الفساد الذى لا يعيشون إلا فى رياحه التى تزكم الأنوف.. إن الذى نتمناه هو تبنى حركة إصلاحية نشيطة تضع مشروع النهضة على المحك العملى بعد اجتماع موسع للقوى الإسلامية والوطنية كى تدشن فيه مشروعاً يمثل مصر كلها, وننطلق به وكل منا يحمل طرفاً منه بيده وينظر بعينه إلى الغايات التى نحلم بها جميعاً حتى نشاهدها حقيقة على أرض الواقع الذى نحبه لمصر, وفاءً لدم الشهداء ورعاية لحقوق الأبناء والأحفاد من الأجيال القادمة. والله المستعان