من أبرز ما يجرى على الساحة السياسية المصرية، ظهور تحالفات حزبية جديدة أخذت تتشكل بوتيرة سريعة، لتنتج تركيبات من أحزاب مختلفة، تبدو فى ظاهرها مختلفة فى توجّهاتها ومنازعها السياسية والأيديولوجية.. ولكنها تتفق على أمر جامع، أو بتعبير أدقّ تعلن فى تصريحاتها : أنها تتكتل لصنع قوى ذات شوكة، لمواجهة التيار المهيمن على الحكم الحالى.. وغنى عن البيان أنه – بحسب تسميتهم له - [تيار الإسلام السياسي]. ولكى يكون موقفى واضحًا لابد أن أقرّر من البداية أن قيام أحزاب معارضة قوية تساندها قوى شعبية، وتمتلك رُؤى وبرامج وطنية إصلاحية قابلة للتنفيذ، ليس أمرًا مرغوبًا فيه فقط، ولكنه أمر ضرورى لإقامة حياة ديمقراطية سليمة.. ومن ثَمّ يمكن القول بأن هذه الظاهرة فى حد ذاتها ظاهرة طبيعية؛ إذ لا يعقل أن يستمر فى البقاء ما يزيد على أربعين حزبًا سياسيًا، أكثرها أحزاب ليس لها من الوجود الواقعى سوى الإسم والمقرّ، وبضعة أفراد يتحدثون بعضهم إلى بعض، وليس لها فى الشارع صوت ولا أثر، وإن كانت تحظى باحتفال وترحيب فى الفضائيات التافهة، المشتبه فى مصادر تمويلها، أو المملوكة بالفعل لحفنة من الفلول أصحاب المال والأعمال.. حيث نسمع ضجيجًا مرتفعَ النبرة لشخصيات مجهولة، لا تعلم بوجودها إلا عندما توضع تحت أضواء التلفزة.. وبعضها الآخر أحزاب كرتونية أو فلولية من صناعة وإفرازات النظام البائد. هذا الاتجاه إلى الاندماج والتحالفات - من حيث المبدأ - مظهر طبيعى وصحى إذا كان المقصود به فعلاً مصلحة البلاد والعباد، وأن تتحول إلى جبهة معارضة وطنية قوية، فى نظامنا الديمقراطى الوليد، الذى جاءت به الثورة المصرية؛ فالديمقراطية الحقيقية يصعب تصوّرها بغير جبهة فى الحكم منتخبة وجبهة خارج الحكم مراقبة ومصوّبة للأخطاء والتجاوزات، التى يمكن أن تتورط فيها السلطة الحاكمة.. الذى ليس طبيعيًا ولا صحيّا هو الحديث واسع الانتشار عن هذه التكتلات من ناحية، والتصريحات التى تجرى على ألسنة قادة هذه التحالفات والأحزاب، من ناحية أخرى.. والسبب أنها تكشف عن حقيقة ما تنطوى عليه هذه التحالفات وعن توجهاتها؛ فهى غير ديمقراطية، بل غير وطنية، على خلاف ما تتظاهر به وما ترفعه من شعارات.. مما يوحى إلينا بأنها تحالفات وأحزاب ليست للمعارضة الوطنية، وإنما للكيد وتشويه الخصم السياسي؛ وبالذات جماعة الإخوان المسلمين، وحزبها السياسى والرئيس الذى، ينظرون إليه باعتبار انتمائه فقط إلى الإخوان وإلى حزب الحرية والعدالة، وليس باعتباره منتخبًا من قِبل الشعب فى أول انتخابات رئاسية حرّة فى تاريخ مصر.. الفاحص المدقق للشخصيات الحزبية البارزة فى هذه التكتلات وللأسلوب الذى يتبعونه فى تشكيلها ثم حلّها للدخول فى تكتلات جديدة لا يمكن أن يغيب عنه أمران: حيرة واضطراب يسيطران على سلوك وتصريحات الجميع، وغياب واضح للأهداف الإيجابية منها.. ربما أحدث هذه التكتلات الجديدة وأكثرها تمايُزًا هو"حزب المؤتمر المصرى" برئاسة عمرو موسى الذى يضم 25 حزبًا أبرزها حزب المصريين الأحرار الذى أقامه وينفق عليه نجيب ساويرس.. والذى يضم قيادات من الحزب الوطنى أو من فلول النظام السابق.. ولذلك فنحن لسنا بحاجة إلى مزيد من البحث والتحليل عن الهدف الحقيقى لهذا التحالف، وهو ما أعلنه ساويرس بنفسه مرارًا وتكرارًا: وهو محاربة الإخوان المسلمين، ومنع التيار الإسلامى من الوصول إلى السلطة.. ولكن عمرو موسى بدهائه يحاول إخفاء هذا الهدف بقوله إن تحالفه ليس ضد أحد، ويخفف من غلظة ساويرس بعبارات دبلوماسية رشيقة وغائمة فى الوقت نفسه مثل قوله: "الحفاظ على الطابع المدنى للدولة المصرية، وحماية نسيج الوطن من محاولات دفع السياسة فى مصر إلى - ما وصفه - بطريق التمييز الطائفى...!" هناك تحالفات أخرى هلامية، متداخلة بعضها فى بعض، مثل ما يطلق عليه اسم: التيار الثالث، والتيار الشعبى.. إذ تجد عند تأسيسها أسماء شخصيات تجتمع وتتشاور بحيث لا تعرف من المؤسس ومن المستشار.. وكانت هناك تحالفات أخرى تلتئم ثم تنحلّ لتعود إلى الالتئام مرة أخرى تحت أسماء جديدة مثل "تحالف مصر فوق الجميع" وتحالف الأمة المصرية.. تعلن هذه التحالفات والتكتلات الحزبية أنها ليست ضد أحد، بل معنية بالصالح العام وتحقيق الديمقراطية، وأهداف الثورة المصرية والعدالة الاجتماعية.. إلى آخر هذه الشعارات.. ولكنها لا تستطيع أن تخفى هدفها المشترك وهو هزيمة الإخوان المسلمين، وإقصاء التيار الإسلامى بصفة عامة من المجال السياسى.. الأخطر من هذا أنها لا تستطيع أن تنكر أنها تتمنى، بل تعمل جاهدة على إفشال حزب الحرية والعدالة، ورئيس الجمهورية الذى ينتمى إليه، فى كل المجالات التى أوْكلها الشعب إليهما لإنجازها؛ ابتداءً من مجلس الشعب إلى اللجنة الدستورية، إلى كل مهمة تصدى لها رئيس الجمهورية وأراد إصلاحها.. من أصغر مهمة كنظافة الشوارع، وتوفير السلع الأساسية للمواطنين، إلى استعادة الأمن والاستقرار فى الشارع، صعودًا إلى السياسة الخارجية واستدعاء المستثمرين العرب والأجانب، لتنشيط الاقتصاد المصرى وخلق فرص عمل جديدة للشباب.. فى هذا الصدد لا ينسى أحد التهديد المستمر لقيادات الأحزاب المعارضة بأن ثورة ثانية قادمة، يسمونها ثورة الجياع.. كما لا ننسى تثبيط حمدين صباحى للمستثمرين الأجانب، وتخويفهم بأن الشارع المصرى مضطرب وأن الوقت غير مناسب للمجاذفة بالاستثمار فى مصر.. وهو موقف شديد الغرابة كأن هؤلاء القادة يهمهم أن تستمر الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية متدهورة ويستمر الجوع، ويهرب المستثمرون من مصر فرارًا من الاضطراب والفوضى المزعومة.. وكأن فشل مرسى وحزبه وجماعته فى إصلاح حال مصر، هو الهدف الأسمى لهم.. ولا يهمهم بعد ذلك، المصلحة الوطنية أو المصالح الحيوية لهذا الشعب، طالما جاءت عن غير طريقهم.. فهى هدف مستباح ينبغى أن يجتمعوا على تحطيمه. والسؤال الآن هو: هل يصلح هذا هدفاً لتأسيس معارضة وطنية حقيقية ومخلصة..؟ وهل إذا قامت التكتلات الحزبية والتحالفات، على مجرد العداء والسعى لإفشال السلطة فى مهمتها يمكن اعتبارها معارضة وطنية..؟ وهل يمكن أن تنجح مثل هذه المعارضة فى اكتساب أصوات الشعب فى الانتخابات القادمة..؟ وهل يمكن أن يكون هذا الاتجاه السوداويّ، المُعبّأ بالنوايا الخبيثة، بديلاً عن برامج إصلاحية يتبنّونها، ويكدحون للوصول إلى جماهير الأمة لإقناعهم بهذه البرامج البديلة، حتى يمنحها الشعب ثقته ويحمل أصحابها إلى السلطة عبر الانتخابات الحرة، بدلاً من تخويف الناس من الإخوان، ومحاولة إثبات فشلهم فى إصلاح البلاد، وإنقاذها من الخراب والفساد الذى خلّفه النظام البائد فى عموم مصر المحروسة..؟؟ أنا لن أتعرض للإجابة عن هذه الأسئلة لأننى أعلم أن إجابتها حاضرة فى أذهان القراء، ربما بدرجات متفاوتة من الوضوح.. ولكن أدنى درجات الوضوح الفطرى كافية عندى.. لدمغ هذا الأسلوب الذى لا أرى له وصفًا أصدق من أنه أسلوب انتهازي، غير وطنى، وغير ديمقراطي.. وغير أخلاقى على الإطلاق..! فقط أريد أن أنبه بعض الحمقى من السياسيين أن هذا الأسلوب سوف يؤدى إلى نتائج عكسية غير واردة فى الحسبان، وهى أن المستفيد الأكبر من هذا النوع من الدعاية الغبية، ومن المواقف السلبية فى علاج مشاكل الجماهير، هم الإخوان المسلمون، والتيار الإسلامي، الذى يتصدّى لمعالجة هذه المشكلات بقدر ما تتيحه الإمكانات والظروف الاقتصادية الصعبة.. وأتصوّر أن الناس سوف يقولون: "على الأقل لقد اجتهدوا فأصابوا فيما أصابوا، وأخفقوا فيما لم يقدروا على تحقيقه.. ولكنهم بذلوا أقصى ما فى وسعهم بإخلاصٍ، وتجرّدٍ؛ لم ينهبوا الثروة ولم يستأثروا بالسلطة، بل أشركوا فيها أكبر عدد من الرجال والنساء الوطنيين المخلصين، ولم [يؤخْوِنوا] الدولة كما زعم الزاعمون.. وقد اكتسبوا بعضًا من الخبرة الضرورية فى الحكم والإدارة.. فلنجّربهم مرة ثانية، لعلهم –مع تحسّن الأوضاع والظروف- يتمكنون من تحقيق ما لم يستطيعوا تحقيقه فى هذه المرحلة..." أما هؤلاء الآخرون فليس عندهم غير الوعود الهُلامية، وغير النقد والهجوم والتجريح والتخويف، وكل هذا لا يؤهل أحدًا للقيادة الرشيدة، ولا حكم أمة كبيرة كمصر، ولا يستهوى شعبًا ثائرًا لم يعد يقبل الوصاية عليه، ولا تخدعه الشعارات الجوفاء، ولا أساليب التهريج السياسى الذى تمارسه هذه الأحزاب...! [email protected]