الحرية والعدالة لا يملك لا قوة ولا أخلاقيات حزب النهضة التونسي.. ولكنه لم يحصد الأغلبية مثل التوانسة
فى تونس استطاعت الأحزاب اليسارية أن تزيد شعبيتها خلال الثورة، وربما تكررت التجربة فى أحزاب الكتلة المصرية.
(مصر مش تونس) كانت الجملة الأكثر ترددا على لسان مسئولى نظام مبارك منذ اندلاع الثورة التونسية ونجاحها فى خلع على زين العابدين.
الآن تعاود القوى السياسية للتطلع لتونس مرة أخري، إلى أبناء ثورة الياسمين،. أنجزت تونس أولى مراحل التحول الديمقراطي، ففى انتخابات نزيهة وبمشاركة 90% من أبناء تونس ممن لهم الحق فى التصويت، تبدأ تونس تشكيل المجلس الوطنى التأسيسي، ومدة المجلس عام، ويتولى المجلس صياغة دستور للبلاد واختيار حكومة ورئيس مؤقت. مصر إذن ليست تونس، اختارت مصر الطريق العكسى لثورة الياسمين التونسي، الخناقة الآن فى مصر على كعكة مجلس الشعب، مجلس أخطر مهامه اختيار لجنة المائة لوضع الدستور.
ورغم وجود اختلافات عديدة بين التجربة التونسية والتجربة المصرية، إلا أن بعض القوى السياسية كانت تترقب نتائج انتخابات تونس للترويج لنفسها، كان حزب النهضة «ذو الميول الإسلامية» هو الحزب المرشح للفوز بأعلى الأصوات. ويبدو أن الإخوان والسلفيين اعتبروا أن فوز النهضة يعزز فرص فوز الاسلاميين فى مصر، وبحسب النتائج الأولية فقد حقق حزب النهضة نحو 40 % من الأصوات ولم يحصل على الأغلبية، وبذلك يستعد الحزب لخوض تحالف مع أحزاب علمانية يسارية، حققت المركزين الثانى والثالث بنسب تتراوح ما بين 15 % إلى 12 %، وهما حزبا (المؤتمر من أجل الجمهورية) و(التكتل الديمقراطى من أجل الحريات) وحتى الحزب الرابع فى النتائج كان حزبًا ذا ميول تقدمية.
الملاحظة المهمة أن الحزبين اللذين احتلا المركزين الثانى والثالث قد نمت شعبيتهما خلال الفترة القليلة بعد الثورة.
حزب النهضة نفسه لا يمكن تشبيهه بحزب الإخوان، حزب النهضة تحدث عقب فوزه عن نظام متعدد علماني، وحزب الحرية والعدالة عنده موقف وحساسية من فكرة مدنية الدولة فضلا عن العلمانية، وفى ظل دولة عريقة فى حقوق المرأة، كانت إشارة قادة الحزب إلى ضمان حقوق المرأة أمرًا أساسيا، الإخوان يراوغون دوما فى حدود دور وحقوق المرأة.
لكن الاختلاف الرئيسى بين النهضة والحرية والعدالة هو فى درجة الانتهازية السياسية، فقد أثبتت الأشهر السابقة فى مصر حجم «الانتهازية السياسية» الهائل لدى الإخوان بشكل خاص، وبقية التيارات الإسلامية بشكل عام.
بدأت الانتهازية من إصرار الإخوان والسلفيين على (سلق الثورة)، وهو ما عرف بمعركة (الدستور أولا)، رفض الإخوان والسلفيون الطريقة التونسية، كان كل همهم هو سلق الانتخابات، والهدف هو عدم إتاحة الفرصة للقوى الثورية الجديدة للتواصل مع الشارع والناخب بعد ثورة 25 يناير.
قد وصمت هذه الانتهازية كل خطوات الإخوان فيما بعد.
انهار التحالف الانتخابى مع الوفد وأحزاب مدنية وإسلامية، ولم يصمد أى من التحالفات مع انتهازية الإخوان، بما فى ذلك أحزاب السلفيين، وقد كان التحالف الوفدى الإخوانى يقوم على فكرة تبادل الشعبية بالشرعية، فالإخوان حتى بعد تأسيس حزب، يعلمون انهم لو حصدوا الأغلبية ستثور المخاوف والشكوك، وقد كان هذا هو خطأ الوفد وربما خطيئة التحالف مع الإخوان. فقد كان حزب الوفد الليبرالى هو القيادة الطبيعية للأحزاب الليبرالية الجديدة، ورغم أن حزب الوفد ينافس على كل قوائم مجلس الشعب، فإن حزب الوفد لم يحصد اكثر من 10 % من مقاعد المجلس، والأخطر أن الوفد اضطر إلى ضم فلول الحزب الوطني، كما اضطر إلى ضم أعضاء لا ينتمون للوفد ولا مبادئه، وهو ما يهدد تجانس الهيئة البرلمانية للوفد. فالهيئة قد لا تصمد كثيرًا فى وجه الخلافات داخل المجلس.
قضية التجانس والانتماء هى التى تشكل خريطة مجلس الشعب القادم، ولا يمكن استثناء حزب العدالة والتنمية (الإخوان) من هذه القضية أو بالاحرى توابعها، فقد دفع انهيار التحالفات، الحزب الإخوانى إلى قبول المرشحين فى بعض القوائم من خارج أبناء الجماعة، أعضاء متعاطفين بلغة الجماعة، أعضاء دخلوا الحزب فى إطار الرغبة فى العمل السياسي. وكان حزب العدالة الأقرب إليهم، وذلك بحكم تاريخ الإخوان، ففى سعيه إلى الاستحواذ على كل رءؤس القوائم، اضطر حزب الإخوان إلى ضم المتعاطفين والأعضاء الجدد فى قوائمه التحالفية.
ولم يستطع حزب العدالة أن يشكل تحالفًا متينًا مع بقية التيارات الإسلامية خاصة السلفيين، فالتحالف فى الانتخابات ممكن حتى فى اللحظات الأخيرة، لكن السلفيين حددوا سقفًا لمطالبهم الإسلامية قد يكون من الصعب على حزب الإخوان قبوله، إذ إن حزب الإخوان يروج لنفسه فى الخارج، بصورة الاسلام غير المتشدد. ويقدم نفسه فى اتصالاته الامريكية بصورة أقرب لحزب النهضة.. فالإخوان قد يكونون الأبعد تحالفًا تحت القبة مع السلفيين.
لذلك فسيبقى حزب الإخوان تحت القبة بحجم النسبة التى سيحصل عليها فى الانتخابات، وربما يخسر الإخوان عددًا من رفقاء الانتخابات وخلافا لتجربة حزب النهضة فإن المشاركة الهائلة فى الانتخابات تضر الإخوان لو وصلت نسبة المشاركة إلى 60 % أو 70 %، فلم يحقق الإخوان نسبة ال40% التى حققها حزب النهضة. فكل تيارات الإسلام السياسى المصرية لا تملك اغلبية فى الشارع، لكنها أقلية منظمة فاعلة وسط أغلبية غير منظمة وليست فاعلة، ولذلك قاتل الإخوان والسلفيون على تمرير الانتخابات، ويحاربون على تخفيض الفترة الانتقالية.
أحزاب الفلول أو أبناء الحزب الوطنى المنحل تمثل أيضا رقمًا مبالغًا فيه فى هذه الانتخابات. وسيحقق أبناء الوطنى المنحل نجاحاً أكبر على قوائم الفردي، فهم أكثر تنظيما وخبرة بأدوات التعامل مع الانتخابات الفردية، ولكن كل مقاعد الفردى تمثل ثلث المجلس فقط، وما بين التسلسل عبر بعض القوائم والنحاج فى الحصول على نصف المقاعد الفردية، فيشكل هؤلاء النواب نحو 15 % من المجلس القادم.
حتى لو وصلوا إلى نسبة ال20 % فلم يكونوا ذا تأثير، ربما تبدى الأحزاب الخارجة من رحم الوطنى الآن تعاونا بين أعضاء الوطنى فى هذه الأحزاب، وربما جرى تنسيق بينهم فى المقاعد الفردية. لكن هذا التعاون لم يشكل جبهة داخل المجلس، وفى ظل الهروب من تهمة الفلول، فهؤلاء النواب سيعملون كمستقلين، ومن ثم تتفاوت مواقفهم السياسية تحت القبة.. وربما يفضلون الانضمام لبعض الأحزاب داخل المجلس. لن يكون بقايا الوطنى -الثلث المعطل أو الثلث الحرج فى المجلس- لكنهم قد يشكلون قوة فى حالة نجاحهم فى التحالف مع قوى سياسية أخرى تحت القبة.
التركيز المتعمد أو المبالغ على ثلاثية الإخوان والوفد والفلول يظلم قوى أخرى.
فقد نحجت الكتلة المصرية فى اللحظة الأخيرة فى ضمان آخر تحالف بين حزبى المصريين الأحرار (حزب ساويرس) وحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى (حزب أبوالغار) وحزب التجمع وبعض القوى اليسارية، من ناحية أخرى فإن الكتلة لم تلعب على كل الحبال مثل الوفد، لذلك فإن النسبة التى ستحصل عليها الكتلة ستمثل بداية حقيقية وكاشفة لوزنهم السياسي، ومهما انخفضت نسبة هذه الكتلة فى المجلس، فان المجلس سيكون اختيارا وفترة إعداد جيد للحزبين الحديثين جدا فى الحياة السياسية، وقد تحصل الكتلة على نسبة 10% أو أقل بقليل من المقاعد، لكن هذه النسبة مرهونة بعمل انتخابى شاق خلال الشهر المقبل.
من الملامح المهمة فى خريطة مجلس الشعب القادم الملمح الخاص بنجوم المجلس. أو القيادات السياسية القادرة على رفع مستوى المجلس، وهذه قضية حاسمة، وتحتاج إلى قدر عالٍ من التنسيق الخاص.
وكانت اللجنة الوطنية للتغيير قد دعت إلى نوع من التنسيق لإخلاء بعض الدوائر لبعض رموز العمل الوطني، خاصة أن خبراء سياسيين ونشطاء مهمين وبارزين قد ترشحوا على انتخابات الفردي.. وهى شخصيات يحتاجها المجلس الذى سيشارك فى الدستور.
لم تتأثر القوى السياسية كثيراً لو تم إخلاء بعض الدوائر التى لا تتعدى ثلاثين مقعدا فى المجلس، فلم تؤثر هذه المقاعد فى حسم كعكة مجلس الشعب، وربما يكون إخلاء بعض الدوائر هو الفرصة الأخيرة لإثبات أن مصر زى تونس، وأن حزب الإخوان قد تعلم بعضًا من القواعد من حزب النهضة، ولكننى أستبعد نجاح تجربة إخلاء الدوائر، فمصر الآن مش تونس، وكل ما سيصل للإخوان من تجربة تونس هو مزيد من الغرور، قد لبس حزب العدالة الإخوانى عباءة السلطة قبل أن يحصل عليها، وتتعامل بعض قيادته بغرور يذكرنى بأحمد عز فى انتخابات 2010، ولا أقصد أحمد عز فى طرة