كانت مجزرة حماة ، والمجازر التي وقعت في أماكن أخرى من سوريا في بداية عقد الثمانينات ، وصمة عار على جبين نظام الحكم السوري. وكان من المنطقي أن يشعر أقطاب الحكم بالخزي لمجرد الإشارة إلى هذه الأحداث ، ويتجنبوا التعليق عليها. أما أن يتحدثوا عنها بفخر، فهم عندئذ كالفاسق الذي يرفض الستر ويصر على التباهى بفسقه. وهذا بالضبط ما فعله بشار الأسد منذ ثلاث سنوات عندما زاره وفد من الكونجرس في يناير 2002 (أي بعد واقعة 11/9 بأربعة شهور) برئاسة النائب ساكسبي تشامبليس. وكان الأسد قد أعلن أثناء إجتماعه بالوفد أنه في إمكان الأمريكيين "الإفادة من تجربة سوريا الناجحة في مكافحة الإرهاب. إننا على طريق مكافحة الإرهاب منذ زمن طويل بينما الولاياتالمتحدة حديثة العهد في هذا المجال ولذلك من الطبيعي أن ينضم كل من يريد مكافحة الإرهاب إلى النهج الذي إتبعته سوريا منذ زمن. ولكن بما أن الولاياتالمتحدة تملك إمكانات تكنولوجية ومادية واسعة فإن تعاونها في هذا المجال يمكن أن يعطي نتائج سريعة ومثمرة." وقال وزير الإعلام السوري عدنان عمران تعليقا على تصريح الأسد أن سوريا " تتقدم على الولاياتالمتحدة في مكافحةالإرهاب .. نوع الإرهاب الذي واجهناه (في بداية الثمانينات) هو نوع الإرهاب نفسه الذي تواجهه الولاياتالمتحدة حاليا." وردا على هذا التبجح والتهافت على إستعراض المؤهلات المطلوبة أمريكيا ، إستنكر الناطق باسم اللجنة السورية لحقوق الإنسان ما وصفه ب " تجريد إنتهاكات حقوق الإنسان في سوريا من طابعها الإنساني وتوظيفها لأهداف الدعاية السياسية. إن ما جرى في سوريا عام 1982 وبالذات في حماة هو جريمة بحق الإنسانية وإعتداء على كل المواثيق والأعراف الدولية. إن تلك الحقبة من تاريخ سوريا المعاصر تستدعي التحقيق فيما ارتكب فيها من جرائم ومحاسبة مرتكبيها ، ولايمكن أن تكون مصدر فخر لأي من الأطراف السياسية في سوريا." ولكن كيف يتساءل صبحي حديدي الكاتب السوري "يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من التجربة السورية كما يدعو بشار؟ هل كان على البنتاجون أن يدك المدن الأفغانية والعراقية كما جرى مع حماة ؟" أوليس هذا هو بالضبط ما فعلته أميركا وقتلت من المدنيين في بغداد أعدادا لا تقل عما سقط في حماة. بعد شهور من تصريح بشار الأسد المشين ، عقد مؤتمر آخر في شرم الشيخ ، وهو واحد في سلسلة المؤتمرات الإنهزامية التي تعقد بطلب أمريكي لتخفيض السقف العربي إلى مستويات أدنى. في المؤتمر المعني المنعقد في مايو 2002، لهدف واحد وهو تمرير إدانة عربية للعمليات الإستشهادية في فلسطينالمحتلة ، فوجئ المراقبون بموافقة سوريا على وصم هذه العمليات بالعنف وإنضمامها إلى حملة التنديد العربي الرسمي بالعنف. وأكد التحول السوري الجديد ما قاله فاروق الشرع في تصريحه بعد المؤتمر: "يجب أن نكون واقعيين ونؤهل أنفسنا بموقف يساعد على إستئناف عملية السلام" ، أي أنه على العرب والسوريين أن يؤهلوا أنفسهم للسلام ، وليس شارون. وينقل الكاتب السوري محمد الحسناوي في (القدس العربي) عن دبلوماسي عربي قوله : "إن النظام السوري يتمسك بمسايرة أميركا ويتجنب دائما المواجهة معها ، وهو تعاون بشكل كلي مع الأمريكيين بعد واقعة 11/9. لكن التنديد العربي بالعمليات الاستشهادية كان مطلبا أمريكيا فرضته واشنطن." ويضيف الكاتب أن ملف النظام السوري مع القضية الفلسطينية مر بتعرجات كثيرة. لكن خطه البياني كانت مؤشراته دائما سلبية، مثل ضرب المقاومة في تل الزعتر والمخيمات الفلسطينية الأخرى ، وشقه صفوف منظمة التحرير، وإستمراره في اعتقال مئات الفلسطينيين في سجون دمشق ، فضلا عن الصمت المطبق في الجولان التي لم تطلق من أجلها رصاصة واحدة ، والانسحابات أمام الاعتداءات الصهيونية على لبنان برا وبحرا وجوا. [email protected]