رَفْضُْ الحق البيّن الواضح داءٌ يصيب الإنسان الذي تتلاعب بعقله الأهواء والأغراض، وتعصف به التقاليد والأعراف، لا يتبع فيه منطقاً ولا يستمع إلى دليل، بل هو ما نشأ فيه وترعرع لا يزحزحه عنه صدق أو يرده إلى صوابه بيان، فهو في ذلك كالأعمى الذي يرفض يداً ممدودة لتدله على الطريق، فلا هو أصاب الحق بنفسه ولا هو استفاد من الدليل، ظلمات بعضها فوق بعض. والإنسان الضال يُزين له شيطان هواه كل طريق لرفض الحق مهما تهافتت الحجة وسَفُه الرأى. انظر ماذا زعم كفار قريش، ومايزال يزعم كفار العصر حتى يومنا هذا، في رسول الله صلى الله عليه وسلم! حُججاً لا تثبت أمام عقل أو منطق، وما زالوا يصدقونها ويرددونها، فسبحان الله فيمن عميت بصيرته فهو إلى الدواب أقرب منه إلى الناس. قالوا هو ساحر، وسبحان الله، لو كان ساحراً يسحر المؤمنين، فلم لم يَسحِر غير المؤمنين، ومن أين جاءتهم الحصانة؟ بل قال تعالي: "كذلك ما أتي الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون" الذاريات 52 وقالوا هو شاعر، وسبحان الله، ليس كلام القرآن بشعر ولا قريب من الشعر، وقد عاش رسول الله سنوات عمره قبل البعثة، أربعون عاما، لم يقل فيها بيتا واحدا من الشعر أو نظم قطعة من النثر، قال تعالى: " قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون" يونس 16 قالوا هو مجنون، وما اشبه اليوم بالبارحة، المؤمنون دائما هم الذين يصابون بجنّة والكافرون هم العقلاء المحصنون! فسبحان الله، والمجنون لا يقتصر جنونه على رفض ما لا أساس له مما اصطلحت عليه الأعراف البالية والتقاليد الموروثة، إن كان هذا جنوناً، بل يتعدى إلى حياته ونمطها وعلاقاته واشكالها، وما عرف أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كل اتزان ووضوح رؤية، قال تعالى: "وما صاحبكم بمجنون" التكوير 22 قالوا هو معَلَمّ، يعلمه رجل من العجم يعيش على أطراف المدينة، يعرف عن التاريخ وحكمة القدماء، فسبحان الله، كيف يتحدث رجلٌ أعجمي اللسان بمثل هذا القرآن الذي اعجزت بلاغته أعرب العرب! قال تعالى: "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر، لسان الذين يلحدون اليه أعجميّ وهذا لسانٌ عربيٌّ مبين" النحل 103 قالوا إنما محمد عربي ليس من تلك الأمم المتحضرة في زمانها، فارس والروم، فماذا يعرف عربيٌّ عن الحق والحضارة وتاريخ الإنسان ومصيره، بل هو من أمّة أميّة يجب أن تتبع غيرها من الأمم المتحضرة لترسم لها طريق التقدم! فما اشبه اليوم بالبارحة! أليس هذا ما يزعمه كفار اليوم من أنهم إنما غزوا أرضنا وخرّبوا ديارنا ونهبوا ثرواتنا ليهدوننا إلى الحرية والديموقراطية! وإنما يجب أن نتبع سنن المجرمين أمثال بوش وعصابته لأنه "من القريتين"، الفرس والروم، قال تعالى: "وقالوا لولا نُزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم" الزخرف 31 قالوا هو رجل يريد الدنيا ويسعى للملك، وسبحان الله، أرسول الله يسعى للملك وهو الذي رفض دعوة قريش لتقاسم السلطة، قال تعالى: "......." لا يظنن أحد أن الهجمة على الإسلام ورسول الإسلام جديدة، بل هي قديمة قدم دعوة الإسلام ذاتها منذ جاء بها رسل الله جميعا ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، وليخرجوا كذلك ضغائن من أغفل الله قلبه عن ذكره واتبع هوه وتردى في الغي، وألبس الباطل رداءا الحق تمويها وتزييفاً "ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون" البقرة 42