عبد الرحيم: عمومية الصحفيين صاحبة الحق في أي تعديل لقانون المهنة    هواوى تعلن إطلاق منطقة سحابية جديدة Huawei Region في مصر    في خدمتك.. كيف تتقدم للإبلاغ عن الغش التجاري وعدم الالتزام بالأسعار    روسيا تبدأ تدريبات لزيادة جاهزية الأسلحة النووية التكتيكية في الجنوب    موعد انطلاق الجولة ال33 من دوري روشن السعودي للمحترفين    سيراميكا يتعاقد مع إسماعيل يوسف في منصب رئيس قطاع الناشئين    السيطرة على حريق نشب في جرار قطار بضائع بقنا    شغف ولهفة: في انتظار إعلان إجازة عيد الأضحى 2024    نقيب الصحفيين عن تصوير الجنازات: متوافقون على حرية العمل الصحفي وقدسية أماكن العبادة    قبل عرض الفيلم في السينمات.. برومو "تاني تاني" يحصد 6 مليون مشاهدة    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    توزيع مواد غذائية على الأُسر الأَولى بالرعاية في الإسماعيلية (صور)    أزهري: ليس من حق الآباء إجبار بناتهم على ارتداء الحجاب    تكنولوجيا رجال الأعمال تبحث تنمية الصناعة لتحقيق مستهدف الناتج القومي 2030    وزير الدفاع والإنتاج الحربى يلتقى نظيره بجمهورية الكونغو الديمقراطية    تكثيف المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة بالفيوم.. «إحصاء وإنجليزي»    قرار جديد ضد سائق لاتهامه بالتحرش بطالب في أكتوبر    رئيس البرلمان العربي يشيد بتجربة الأردن في التعليم    حزب الله يشدد على عدم التفاوض إلا بعد وقف العدوان على غزة    «رفعت» و«الحصري».. تعرف على قراء التلاوات المجودة بإذاعة القرآن الكريم غدا    محمد عبد الحافظ ناصف نائبا للهيئة العامة لقصور الثقافة    مدير مكتبة الإسكندرية: لقاؤنا مع الرئيس السيسي اهتم بمجريات قضية فلسطين    رفقة سليمان عيد.. كريم محمود عبدالعزيز يشارك جمهوره كواليس «البيت بيتي 2»    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    الأعلى لشئون الإسلام وقيادات الإعلام يتوافقون على ضوابط تصوير الجنازات    أستاذ بالأزهر: الحر الشديد من تنفيس جهنم على الدنيا    أمين الفتوى بدار الإفتاء: سداد الدين مقدم على الأضحية    محلل أداء تونسي يحذر الأهلي من الترجي لهذا السبب    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد سير العمل والخدمات الطبية بمستشفى الحسينية    تأثير استخدام مكيفات الهواء على الصحة.. توازن بين الراحة والمخاطر    وزيرة الهجرة: نحرص على تعريف الراغبين في السفر بقوانين الدولة المغادر إليها    عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024.. خليك مميز    سامح شكرى لوزيرة خارجية هولندا: نرفض بشكل قاطع سياسات تهجير الفلسطينيين    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    عاجل| أسوشيتد برس تعلن تعليق إسرائيل خدمات الوكالة في غزة    لست وحدك يا موتا.. تقرير: يوفنتوس يستهدف التعاقد مع كالافيوري    خليفة ميسي يقترب من الدوري السعودي    برلمانية تطالب بوقف تراخيص تشغيل شركات النقل الذكي لحين التزامها بالضوابط    ب ممارسات حاطة بالكرامة والتقييد.. شهادات توثق تعذيب الاحتلال ل معتقلي غزة (تقرير)    إغلاق المدارس وتأجيل الامتحانات في باكستان بعد تجاوز درجة الحرارة 50 درجة مئوية    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    العثور على جثة طفل في ترعة بقنا    "سيارة الغلابة".. انخفاض أسعار بي واي دي F3 حتى 80 ألف جنيه (صور)    زراعة النواب تقرر استدعاء وزير الأوقاف لحسم إجراءات تقنين أوضاع الأهالي    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    شبانة: مندهش من الأحداث التي صاحبت مراسم تتويج الزمالك    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    انتظار مليء بالروحانية: قدوم عيد الأضحى 2024 وتساؤلات المواطنين حول الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تغييب المرجعية في الحديث عن المجتمع المدني العربي .. كرم الحلو
نشر في المصريون يوم 20 - 10 - 2005


شغل مفهوم «المجتمع المدني» حيزاً واسعاً من الخطاب السياسي العربي في العقدين الأخيرين، ولا يزال يشكل مع بداية هذا القرن احدى اهم المسائل التي تستحوذ على الاهتمامات الأساسية لهذا الخطاب، بحيث يمكن اعتباره جزءاً أساسياً من بنيته، جنباً الى جنب مع مسائل الديموقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان والموقف من الغرب. لكن اللافت هو التباس مفهوم «المجتمع المدني» وتناقضه واختلاطه في الفكر العربي الراهن الى درجة يضيع معها جوهره ومضمونه والأسس التي يقوم عليها، مع تغييب المرجعية التي تسنده ويستمد منها وجوده ومكوناته وقيمه. ثمة اتفاق بين الباحثين على ان المجتمع المدني هو في جوهره «مجتمع مديني» أي مجتمع مدن، في مقابل المجتمع البدوي القبلي. لكن هل هذا ما يُقصد بالمجتمع المدني في المرجعية الفكرية الغربية التي هي في اصل المفهوم بمعانيه ومضامينه الحديثة؟ على هذا الإشكال يجيب محمد عابد الجابري في احدث كتبه «في نقد الحاجة الى الإصلاح» مركز دراسات الوحدة العربية، 2005، ان لفظ «مدني» يستبعد في الفكر الأوروبي معاني رئيسة هي بمثابة أضداد له: معنى التوحش في مقابل التحضر، ومعنى الإجرام، أي مدني في مقابل جنائي، ومعنى الانتماء الى الجيش، مدني في مقابل عسكري، ومعنى الانتماء الى الدين، مدني في مقابل ديني. وهكذا فعبارة «المجتمع المدني» في الفكر الأوروبي تعني مجتمعاً لا سلطة فيه لا للعسكر ولا للكنيسة. وقد ظهر هذا المفهوم بمعانيه هذه، في الفكر الأوروبي بالترافق مع التطور الاقتصادي والعلمي والسياسي والاجتماعي الذي شهده المجتمع الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والذي كان بنتيجته الانتقال من المجتمع الزراعي الى المجتمع الصناعي، وتفكك الأسرة، وهيمنة المصلحة الخاصة، وتعزز الفردية، وعلى هذا فالمجتمع المدني في رأي الجابري هو المجتمع الحديث الذي يتخذ شكله تدريجاً مع التحول الديموقراطي. إنه النتيجة العملية لهذا التحول المرتبط في جوهره بمبدأ السيادة للشعب الذي هو مضمون «العقد الاجتماعي» بين الأفراد وفقاً لإرادة هؤلاء ومصالحهم. ورأى احمد شكر الصبيحي في «مستقبل المجتمع المدني» في الوطن العربي»، 2003، ان مفهوم المجتمع المدني في الفكر العربي يعاني ضعف التأصيل النظري، على رغم شيوع استخدامه، نظراً الى جدة المفهوم وانعدام التحديدات الدقيقة للمصطلح، وعدم ثبات معناه واختلاطه مع معان اخرى تحول دون الإفادة منه في التحليل النظري للمجتمع العربي. ويخلص الصبيحي الى ان المجتمع المدني يرتكز الى عناصر مشتركة يوافق عليها معظم الذين تحدثوا عن المجتمع المدني، اهمها ان المجتمع المدني رابطة اختيارية يدخلها الأفراد طواعية، وأن مؤسسات هذا المجتمع تتمتع باستقلالية نسبية عن الدولة. وفي محاولة لتأصيل المفهوم في الفكر العربي يذهب الصبيحي الى ان التجربة التاريخية في العصر النبوي تعتبر أول تجربة في التعاقد المدني عرفها التاريخ وسبقت نظرية «العقد الاجتماعي» لروسو، ما يثبت ان مفهوم الاجتماع المدني ليس البتة غريباً عن ثقافتنا العربية الاسلامية، استناداً الى ان الاسلام أقر الحق في الاختلاف وقرر مبدأ الشورى. وبناء عليه فإن التاريخ العربي عرف مؤسسات يمكن اعتبارها مؤسسات مجتمع مدني، من جماعات العلماء والقضاة والمفتين، الى نقابات الحرف والصنائع الى شيوخ القبائل والعشائر وشيوخ الطرق الصوفية ورؤساء الطوائف، فقد اضطلع هؤلاء بوظائف منفصلة عن وظائف الدولة وعبروا عن أشكال من التنظيم الذاتي خارج السلطة. وعلى النحو ذاته ذهب حسنين توفيق ابراهيم (في كتابه «النظم السياسية العربية» - مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2005) الى ان الاساس القيمي الاخلاقي الذي يستند اليه المجتمع المدني، والذي تجسّده مجموعة من القيم والمعايير، مثل الحرية والمساواة والتطوع والتسامح والقبول بالتعدد والاختلاف والمشاركة السلمية، موجود في الدين الاسلامي، اذ ان هذه القيم هي من صميم الاسلام. وقد عرفت الخبرة التاريخية الاسلامية اشكالاً من المؤسسات والكيانات التي أدت أدواراً مماثلة لمؤسسات المجتمع المدني الحديث، مثل مؤسسات القضاء والعلماء والإفتاء والوقف وجماعات التجار والحرف والصنائع والجمعيات الخيرية والطرق الصوفية والمذاهب الفقهية والأقليات الدينية. وبناء عليه، فإن مفهوم المجتمع المدني له دلالاته في الإسلام على صعيد القيم وعلى صعيد الخبرة التاريخية، حيث عرفت هذه الخبرة جوهر المجتمع المدني ولكن تحت مسميات مختلفة. في تصوّرات فضفاضة وملتبسة كهذه لا تزال تميز الخطاب السياسي العربي الى الآن، امتد مفهوم «المجتمع المدني» ليشمل الديني والقبلي والعشائري والاهلي والطائفي. فالجمعيات الاهلية او الخيرية الاسلامية، تشكل، في رأي حسنين توفيق ابراهيم، مكوناً أساسياً في بنية المجتمع المدني في العديد من الدول العربية، والعصبيات العائلية والجهوية، بما في ذلك اشكال التضامن القبلي والعشائري والطائفي، هي كما يحددها محمود عبدالفضيل، اشكال بدائية للدفاع الاجتماعي المدني في مواجهة الدول الكولونيالية. وذهب أحمد الصبيحي الى ان مجتمع البداوة القبلي التقليدي يحقق مهام مؤسسات المجتمع المدني الحديثة في مواجهة السلطة، والى ان لا مجال ولا قيمة للتمييز بين المجتمع المدني والمجتمع الاهلي، ومن ثم إنكار شرعية وجود التكوينات والعادات والقيم القبلية أو الطائفية. من هذا القبيل ايضاً عد بعض الباحثين المؤسسات التقليدية الطائفية والعشائرية من مؤسسات المجتمع المدني الغربي، لأنها نهضت وما زالت تنهض بأدوار لمصلحة الفرد والبلد، كما انها واحدة من اهم مصادر التجنيد النخبوي على المستوى المركزي والمحلي، قد يتقدم الولاء لها على الولاء للدولة، وانها ما زالت تقدم لقطاعات واسعة من الناس في الوطن العربي الحماية والاعالة، كما تشكل نظماً للحقوق والواجبات. هذه المواقف والاستنتاجات انما تكشف عن خلل عميق في مفهوم المجتمع المدني في الفكر العربي المعاصر حيث تغيب المرجعية، ويُغفل التلازم الجوهري والضروري بين المجتمع المدني من جهة، والديموقراطية العلمانية بمفهومها الحديث من جهة اخرى. فنهوض المجتمع المدني لا يمكن وجوده أو تصوره من دون الحرية الفردية والعقد الاجتماعي الذي هو في اساس الديموقراطية المعاصرة والعلاقات المدنية القائمة على المساواة بين الافراد وخياراتهم الحرة وقراراتهم المستقلة عن أي مرجعية خارج العقد المدني الذي يؤطرهم. هل هذه هي العلاقات التي تحكم الانسان العربي في ظل القبلية والعشائرية والطائفية؟ ان العشيرة أو القبيلة جماعة تربط اعضاءها صلات الدم والقرابة الدموية وينتمي اليها الفرد جبراً لا طوعاً، ولاؤه لها وراثي لا تعاقدي، لا تسمح له بأية استقلالية، وفي اطارها تتحدد الحقوق والواجبات من دون الأخذ في الاعتبار خيارات الافراد وآراءهم، كما انها لا تقرّ بالمساواة التي يشترطها المجتمع المدني بين هؤلاء. أما الطائفة التي هي في الاصل «جماعة منظمة من الناس يمارسون معتقداً دينياً بوسائل وطرق معينة» فسرعان ما تتحوّل في بنيتها الداخلية وطبيعة العلائق القائمة بين افرادها الى نمط مشابه لنمط العلائق القبلية والعشائرية، حيث تتلاشى الفردية وتطغى مرجعية الجماعة ملغية الحق في المراجعة والمساءلة، كما ان الانتماء اليها، على الضد من المجتمع المدني، ليس طوعياً ارادياً حراً بل هو قسري ووراثي. ان المجتمع المدني يفترض في الفرد ذاتاً حقوقية مستقلة تملك وحدها حق التعاقد مع افراد آخرين، هم ايضاً احرار ومستقلون، ومن دون قسر أو إكراه، من اجل مصلحة المجتمع ككل، لا من أجل أحد تكويناته القبلية والعشائرية أو الدينية أو الطائفية. هذا كله يطرح على بساط البحث حقيقة الاهداف من وراء تغييب المرجعية المدنية في الحديث عن المجتمع المدني في العالم العربي، مترافقاً مع اعادة الاعتبار الى التكوينات العشائرية والقبلية والطائفية. ----- صحيفة الحياة اللندنية في 20 -10 -2005

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.