يقول سقراط: "ليس من الضروري أن يكون كلامي مقبولًا لكن من الضروري أن يكون صادقًا".. وهذا ينطبق على مقالاتنا الصغيرة، فلدينا الآن مشكلة جدلية تخص مبدأ الرهبنة في المسيحية الذي له جذور عميقة بالكتاب المُقدس الذي اشترط ضرورة قبول الراغب في التفرغ للعبادة، قسوة وصعوبة هذا الأسلوب في العديد من جوانب الحياة، ولعل أهمها التبتل، والعذرية، وانعدام الرغبة في تكوين أسرة عن طريق الزواج، والقدرة على التحكم في رغبات الجسد، ومنع مشتهيات الحياة الدنيا لذلك، وجدنا بعض الأنبياء والرسل سالكين هذا الطريق المؤدي إلى الملكوت مع الأخذ في الاعتبار أن الله يتقبل الكل، والباب مفتوح للجميع من دون تمييز أو تفضيل الراهب أو المتزوج. ولذلك فقد بدأت في مصرنا الحبيبة منذ القرون الأولى المسيحية، انتشار الأديرة بالصحراء بعيدًا عن العالم عن طريق الأنبا باخوميوس المُلقَّب بأب الشركة "أي تجمع الرهبان للحياة الروحية معًا"، وشاهدنا نهضةً كبرى في هذا المجال، وانتشرت مئات الأديرة للرجال وأخرى للبنات، الذين تركوا العالم ومباهجه بإرادتهم قانعين بمبادئ الرهبنة وأهمها التقشف والزهد والفقر الاختياري والانحلال من الكل للارتباط بالواحد، وهو الرب، وكما ذكرنا ونكرر أن هذه الحياة الصعبة يتقبلها الراهب بإرادته وبحب ومودة واقتناع تام ولكن.. وصلت كنيستنا إلى مرحلة ضرورة اختيار القيادات الكنسيَّة لجميع الرتب العليا من أساقفة ومطارنة والبابا أيضًا من طائفة الرهبان. وهذا الاختيار ينقل الراهب المتقشف والزاهد والمتفقر (فقر اختياري) إلى مرحلة جديدة لقيادة الشعب المسيحي في العالم، والمفترض هنا حسب قوانين الكنيسة والرهبنة، أن يظل الراهب راهبًا مطبقًا مبادئ الرهبنة الأصيلة والأصلية، سالكًا فيها مهما أصبحت حياته الجديدة كأسقف أو بابا للكنيسة، وبالتالي يحظى ببركات السماء؛ وذلك لمقاومته تيارات العالم وشهواته وتعظم المعيشة وجهًا لوجه، وهذه تستوجب الاستعداد الروحي وقوة الإرادة والعزيمة لدى الراهب (المتسقف) (يصبح أسقفًا)، ومفروض يتثقف أولًا؛ ليتأهل لهذا المنصب (وهذا لا يحدث)، ومثله المرشح لمنصب البابا، ولقد نجحت قلة من الرهبان في هذا المسلك الروحاني عقب اختيارهم هذه المناصب الكنسية، ولعل أبرزهم الأنبا إبرام بالفيوم، حبيب الفقراء، والبابا كيرلس الذي عاش حياة التقشف قبل وبعد اختياره لقيادة الكنيسة فلم نجد في قلايته رغد العيش، ولا في المقر البابوي العظمة والمتع والاستمتاع لمشهيات العالم من أجهزة وأثاث فخم وحمامات سباحة و... إلخ بل وحتى لم يتقبل البابا كيرلس فكرة إقامة المقر البابوي بمختلف المحافظات أو بالخارج مثلما يحدث في العهد الحالي، فنجد القصر البابوي - وليس المقر - الفخم الرائع، منتشرًا في بلاد العالم تحسبًا لاستقبال البابا في زياراته السنوية، وهذه القصور تكلفت الملايين من أموال الكنيسة وقائمة علانية وشاهدها الجميع ب"النت"، أما مستوى سكن الراهب الذي أصبح أسقفًا، فلا يختلف الحال للغالبية العظمي منهم، ولا أجد إلا كلمة في منتهى الفخامة والوجاهة بمختلف الإيبارشيات ومثلها السيارات التي يستقلها الأسقف (له أكثر من سيارة)، أما الملبس والمأكل فنظرة عابرة للولائم المقامة في جميع المناسبات تشهد صارخة على سقوط وانهيار مبادئ الرهبنة الأصيلة وانهزامها تمامًا. أما المهام الإدارية فحدّث ولا حرج، فجميع الأساقفة الرهبان على رأس المجلس الإكليريكي للأحوال الشخصية ويتعرف على أسرار العلاقات الزوجية وتفاصيل خطايا الزنا، وما أكثرها.. هل يتفق هذا مع مبادئ الرهبنة؟؟ أم إنها رهبنة حديثة ونحن لا ندري؟؟؟