لم تمضِ اربع وعشرون ساعة على انتهاء الزيارة التاريخية التي قام بها البابا بينيديكتوس السادس عشر للبنان، حتى انقلب "الهواء اللبناني" على خلفية الترددات الحادة للاحتجاجات المتصاعدة على فيلم "براءة المسلمين" والتي تبدو مفتوحة على فصول وتطورات اضافية. ومع ان وصول البابا الى لبنان الجمعة الماضي تزامن وبداية تصاعد هذه الاحتجاجات مع التظاهرات التي شهدتها طرابلس وبعض المناطق الاخرى، فان التظاهرة الحاشدة التي نظمت أمس في الضاحية الجنوبية وضمت عشرات الآلاف من المتظاهرين من انصار "حزب الله" خصوصا وحركة "أمل" أضفت ابعاداً ومعطيات جديدة على المناخ الداخلي وخصوصاً في ظل الظهور المفاجئ والنادر للامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله في التظاهرة وإلقائه كلمة في المتظاهرين. وكانت المرة الاخيرة التي ظهر فيها نصرالله علنا لوقت قصير في مسيرة عاشوراء بالضاحية الجنوبية في 12 كانون الاول 2011. وفي الكلمة التي ألقاها أمس والتي لم تتجاوز فترة إلقائها ربع ساعة، حضّ على استمرار التحرك ضد الفيلم المسيء الى الاسلام وطالب الاميركيين بمنع نشر الفيلم الكامل محذراً من "تداعيات خطيرة جداً". أما التطور البارز الآخر، فتمثل في رد الفعل الاميركي على تظاهرات الاحتجاج وخصوصاً في الضاحية، اذ أوردت وكالة "الاوسوشيتدبرس" في تقرير لها من واشنطن ان ديبلوماسيين في السفارة الاميركية ببيروت بدأوا اتلاف وثائق سرية في اجراء احترازي في ظل التظاهرات المناهضة للولايات المتحدة. وجاء في تقرير لوزارة الخارجية الاميركية حصلت عليه الوكالة ان السفارة "راجعت اجراءاتها للطوارئ وبدأت اتلاف وثائق سرية". كما انصرف الموظفون اللبنانيون لديها الى منازلهم قبيل انتهاء دوام العمل بسبب التظاهرة في الضاحية الجنوبية. وأكد مسؤول في الوزارة ان لا خطر وشيكا على السفارة في بيروت المحمية باجراءات مشددة، علما انها على بعد ساعة من اقرب تظاهرة مقررة. وكانت وزارة الخارجية أمرت كل السفارات والقنصليات في العالم بمراجعة اجراءات السلامة والامن لدها. لذا قرر عدد من البعثات تدمير مواد سرية. وشدد المسؤول على انه من الطبيعي في ظل الظروف الراهنة تقليص عدد المواد السرية. كما ان مراجعتها والتخلص منها عملية دورية وطبيعية في ادارة السفارة. واوضح ان قرار القيام بهذه الخطوة في سفارة بيروت روتيني واتخذه افراد البعثة انفسهم. وفي وقت سابق جددت وزارة الخارجية الاميركية تحذير مواطنها من السفر الى لبنان على خلفية مخاوف أمنية. ودعت رعاياها المقيمين فيه الى ادراك المخاطر المرتبطة ببقائهم. واعلنت تعليق برنامج للشركة باللغة الانكليزية وبرنامج "فولبرايت" اللذين يقدمان منحا للباحثين الاميركيين للعمل في لبنان والاقامة فيه "بسبب تراجع الوضع الامني والاحتمال المتزايد لاعتداءات على مواطنين اميركيين في لبنان".