قالت مصادر في مشيخة الأزهر الشريف إن السفير الأمريكي الجديد في مصر فرنسيس ريتشارد، زار شيخ الأزهر في مكتبه، الأسبوع الماضي، في محاولة لتصفية الأزمة، التي نشبت بينه وبين السفارة الأمريكية، إثر رفض الأخيرة إعطاء بعض الأزهريين تأشيرة دخول للولايات المتحدة، مما دفع شيخ الأزهر إلى وقف سفر العلماء لأمريكا، ومنع دخول المسؤولين الرسميين الأمريكيين إلى مقر المشيخة بالقاهرة، ووقف التعاون مع المؤسسات الأمريكية مستقبلا. وقالت المصادر إن الزيارة انتهت إلى وعد أمريكي بتيسير عملية سفر العلماء لأمريكا، وتقديم تسهيلات لسفر الأئمة والدعاة، بيد أن شيخ الأزهر رد بفتور على هذا الوعد الأمريكي، لأنه سبق أن تكرر على لسان السفير السابق مرات عديدة، ثم عادت العراقيل مرة أخرى سواء في إعطاء التأشيرات، أو إهانة العلماء في المطارات الأمريكية وتفتيشهم.!. و كشفت مصادر صحفية بالقاهرة أن أسباب منع دخول العلماء، تحدث فيها السفير مع شيخ الأزهر، أبرزها إصدار فتاوى تساند المقاومة العراقية، وتدين الاحتلال الأمريكي، وتحرض ضده، الأمر الذي قال عنه السفير إنه: "يثير غضب بلادي". وكانت آخر هذه الفتاوى، فتوى للشيخ عبد الحميد الأطرش، الذي رفضت السفارة إعطاءه تأشيرة دخول. وكانت السفارة الأمريكية قد أغضبتها فتوى مماثلة للشيخ علي أبو الحسن، مستشار شيخ الأزهر، يؤيد فيها المقاومة العراقية، ويحرم التعامل مع الحكومة العراقية الموالية للاحتلال، كما غضبت على الشيخ عبد الرحمن العدوي الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، لأنه أفتى بتحريم وضع الأموال في بنوك أمريكية، ومطالبة العرب والمسلمين بسحب أرصدتهم المالية من هذه البنوك، وغضبت على شيوخ آخرين أدلوا بفتاوى أغضبت واشنطن. وكان السبب الذي يجري إعلانه كل عام، هو تأخر طلبات الأزهر للتأشيرة، وعدم طلبها قبل شهر رمضان بوقت كاف، إذ تنص الإجراءات على التقدم بطلب التأشيرة قبل السفر بثلاثة أشهر، بيد أن لقاء السفير ريتشارد مع الشيخ طنطاوي كشف هذه المرة الأسباب الحقيقة للرفض، والمتمثلة في الغضب من فتاوى الأزهر. وتؤكد مصادر من داخل المشيخة الأزهرية، أن شيخ الأزهر اضطر لاتخاذ قرار منع سفر العلماء لأمريكا مستقبلا حتى لو وافقت واشنطن على سفرهم، احتجاجا على معاملة (غير المقبولة) من قبل السفارة الأمريكية أو عند المطار، وأن الشيخ محمد سيد طنطاوي أبلغ سفير واشنطن بهذه التجاوزات والمضايقات، مثل إيقاف أمين مجمع البحوث الإسلامية في أحد المطارات لساعات طويلة، وتفتيشه بشكل مهين، وتهديد الشيخ محمد جميعه موفد شيخ الأزهر الرسمي للمركز الإسلامي في نيويورك وإهانته، لدرجة أن أحد العلماء طُلب منه في مطار أمريكي أن يخلع حذاءه وعمامته ويفتش ذاتياً..!. وأضافت المصادر أن الشيخ طنطاوي كان غاضبا، وذكّر السفير بأن الأزهر يمثل الوسطية والاعتدال والبعد عن التعصب الأعمى، وأن هذا هو المفهوم الذي يقدمه العلماء ومبعوثي الأزهر للخارج، فكيف تجري معاملتهم كأنهم إرهابيون أو مشتبه بهم، في إجراءات التأشيرة أو الاستقبال في أمريكا؟!، وشدد على أن منع سفر العلماء لبلاده، جاء حفاظا على كرامة الأزهر وعلمائه، خاصة وأن هذا سبق أن تكرر عدة مرات، واعتذر السفير السابق ديفيد وولش عن ذلك، ومع هذا استمرت نفس الأساليب ضد العلماء. وكان شيخ الأزهر قد رشح الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى، للسفر للولايات المتحدة في شهر رمضان، للقيام بجولة على المراكز الإسلامية، ضمن نخبة من العلماء، بيد أن السفارة تأخرت في الرد، على الرغم من مرور أسبوع على بدء رمضان، وانتهى الأمر لرفض إعطاء تأشيرة الشيخ الأطرش، ما أعتبره شيخ الأزهر إهانة له، لأنه هو الذي رشحه، وإهانة لعلماء الأزهر جميعا، فأصدر قرارا بعدم سفر الشيخ الأطرش، والتعامل بالمثل مع المسؤولين الأمريكان، ثم قرر سفر الشيخ الأطرش للنمسا بدلا من أمريكا. وظهرت الكثير من الأزمات بين السفارة الأمريكية ومشايخ بالأزهر على خلفية الفتاوى التي أطلقها بعض العلماء، وبداية هذه الأزمات كانت مع فتوى لأحد أعضاء لجنة الإفتاء حين طالب بمقاطعة المنتجات الأمريكية، باعتبار واشنطن هي الشقيقة الكبرى لإسرائيل، إلا أن الدكتور طنطاوي أسرع بفتوى مضادة. وقال إن العلماء لا علاقة لهم بفتاوى مقاطعة المنتجات الأمريكية أو غيرها، لأنه أمر يختص به السياسيون والاقتصاديون مما هدأ العاصفة. ولكن خرجت فتوى أزهرية أخرى تدين العمليات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وتجيز ما تقوم به المقاومة، ومشروعية عملياتها التي تنفذها، وأن يفجر المرء نفسه شهيدا عند ربه، الأمر الذي أغضب السفارة الأمريكية، وهو ما دفع بالدكتور سيد طنطاوي إلى تهدئة هذه الأزمة بفتوى أخرى، بأن من يفجر نفسه في المدنيين، سواء كانوا إسرائيليين أو غير ذلك فهو منتحر وليس شهيداً. ومرت الأزمة حتى جاء غزو العراق لتتزايد الفتاوى ضد الاحتلال، ومشروعية المقاومة، وعدم شرعية التعامل مع الحكومة العراقية الموالية للاحتلال، ما دفع السفير الأمريكي بالقاهرة لإثارة الأمر عدة مرات مع شيخ الأزهر.