الفشل الكلوى والتيفود والكوليرا والأمراض الجلدية أبرز الأمراض كارثة بيئية خطيرة على الحكومة التصدى لها وعلى الأهالى والعمد والمشايخ والنواب دور توعوى كبير فى وقفها كارثة بيئية خطيرة تهدد حياة ملايين المصريين، خاصة في القرى والنجوع والكفور التي تعاني من الفقر ونقص الخدمات والمرافق وشبكات الصرف الصحي بدأت في الانتشار بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، في ظل غياب الرقابة من الأجهزة المعنية بالحفاظ على البيئة وحماية ثروة مصر من المياه الجوفية. فمن الطبيعي في القرى التي لا يوجد فيها صرف صحي أن يقوم السكان بعمل حمام بلدي "الطرنش" داخل المنزل؛ وذلك كبديل لعدم توفير شبكات صرف، فيلجأ الأهالي إلى هذا الحمام، ثم يقوم بعمل النزح عند الامتلاء وهكذا دواليك. لكن ما حدث مؤخرًا هو أن كثيرًا من المواطنين لجأوا إلى حفر آبار عميقة واستخدامها في الصرف، عوضًا عن استخدام "الشفاط"، وعربات "النزح" حتى لا يتكلف ماديًا جراء هذه العملية التي تتكرر مرتان على الأقل شهريًا، وهو ما يهدد المخزون الإستراتيجي والثروة القومية من المياه الجوفية؛ نتيجة اختلاط المياه الجوفية بمياه الصرف، خاصة مع استخدامها في عملية ري الزراعات بكل أنواعها من خضر وفاكهة، فتنتقل الأمراض الفتاكة إلى أجساد البشر من حيث لا يدرون، وتلك هي الطامة الكبرى. وتنتقل الديدان الطفيلية وبعض أنواع الكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا، لكون مياه الصرف الصحي والفضلات الحيوية المصدر الأساسي لهذه الملوّثات التي هي سبب مباشر في كثيرٍ من حالات الوفيات بين المواطنين، حيث تتسبب في مشاكل الصحية مثل "التيفوئيد" و"الكوليرا"، إضافةً إلى الاضطرابات الوظيفية في عمل الجهاز العصبي، والكلى، وعضلة القلب. وتنبه بعض الذين يدركون خطر ذلك لتلك الظاهرة، محذرين من انتشار هذه الظاهرة، مطالبين الحكومة بسرعة وتوفير شبكات صرف صحي في القرى، إلى جانب تنظيم حملات توعية للأهالي، وتحذيرهم من الإقدام على ذلك، لتفادي الكارثة التي تهدد المجتمع وتلقي بظلال وخيمة على مستقبل أولادهم وأطفالهم وأكلهم وشربهم، نتيجة اختلاط مياه الصرف بالمياه الجوفية. وقال الدكتور حسين غيتة، النائب البرلماني عن دائرة العدوة ومغاغة بالمنيا، إن ما يحدث يعد كارثة بكل المقاييس خاصة أن من يحفرون مواسير بعمق يتراوح ما بين 20 و30 مترًا بجوارهم جيران له لديهم طلمبات يدوية للشرب، وهو ما يؤدي إلى كارثة صحية. وأكد "غيتة"، أنه لابد من تنظيم حملات توعية للمواطنين؛ للتحذير من خطر هذه الكارثة البيئية والصحية، وما تتسبب فيه من أمراض فتّاكة يصعب علاجها. وأوضح أنه التقى ووزير الإسكان مؤخرًا، وتقدم بطلب إحاطة للإسراع في عمل شبكات صرف صحي لقرى المنيا، علمًا بأن محافظة المنيا هي أقل محافظات مصر تمتعًا بالصرف الصحي، حيث تتراوح ما بين 4 إلى 5% من قرى المحافظة، ولابد من عمل ميزانية خاصة وبشكل استثنائي للمحافظة. وأشار النائب البرلماني، إلى أن الحكومة طرحت ضمن خطة 20 – 30، تشييد محطات صرف صحي لقرى المنيا؛ للحد من مثل هذه الكارثة البيئية، واستجابة لطلب الملايين من سكان المحافظة. من جانبه، وصف الدكتور عباس شراقى، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بقسم الموارد الطبيعية - كلية الدراسات الإفريقية - جامعة القاهرة، الأمر بأنه يمثل "كارثة بيئية تهدد حياة ملايين البشر". وأضاف: "مثلًا خزان المياه الجوفية في الدلتا يعتمد على مياه النيل، حيث يتجدد من المياه المتسربة مباشرة من النهر، وشبكة قنوات الرى التى يصل طولها إلى حوالى 30 ألف كيلومتر، والمياه الزائدة من مياه الرى، والمياه المتسربة من المصارف الزراعية التى يصل طولها إلى حوالى 17 ألف كيلومتر، والمياه المتسربة من الأراضى الزراعية، ومن مياه الاستخدامات المنزلية للقرى التى لا يوجد بها صرف". وتابع: "بعد توقعات بحدوث أزمة مياه فى المستقبل، ازداد الاعتماد على المياه الجوفية فى الزراعة، حيث يستخدم الآن أكثر من 7 مليارات متر مكعب من حوالى 23 ألف بئر جوفية، بعد أن كان 1,3 مليار متر مكعب من حوالى 7 آلاف بئر عام 1980، ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية فى الدلتا 5 - 10 أمتار". وأشار إلى أن "نوعية المياه الجوفية فى الدلتا تأثرت كثيرًا نتيجة التلوث من المصادر السابقة، علاوة على تداخل مياه البحر في شمال الدلتا، وزيادة عدد السكان خاصة في الريف الذين لايتمتعون بصرف صحي ما يؤدي إلى تلوث المياه الجوفية". وأكد شراقي، أن "النشاط الصناعى ساهم فى تشكيل خطر كبير فى زيادة تلوث المياه الجوفية، سواء الصرف الصناعى السطحى الذى يصل إلى النيل وقنوات الرى مباشرة دون معالجة أو من طريقة التخلص من المياه الصناعية، عن طريق آبار في باطن الأرض". وأشار إلى أن "السحب الجائر للمياه الجوفية يؤدي إلى زيادة ملوحة خزان المياه الجوفية خاصة فى شمال الدلتا، وحول طريق القاهرة - إسكندرية الصحراوي والهوامش الغربية القريبة من خزانات جوفية مالحة، مثل خزان المغرة غرب وادى النطرون". ولفت إلى أن "زيادة استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة فى النشاط الزراعي، ووصولها عن طريق غسيل التربة الزراعية من مياه الرى؛ أدى إلى ظهور العديد من الملوثات النيترات والفوسفات واليورانيوم والزنك فى المياه الجوفية". وأوضح "شراقي"، أن "مصر تواجه تحديًا كبيرًا فى نوعية المياه سواء السطحية أو الجوفية؛ مما يتطلب معالجة مياه الصرف الزراعى والصحى والصناعى قبل وصول المياه إلى القنوات السطحية أو المياه الجوفية، ووضع خطة مستقبلية لعمل صرف صحى لجميع القرى المصرية، وإعطاء هذه المشروعات أولوية قصوى مع توصيل مياه الشرب النقية لجميع السكان". وشدد على "تحسين شبكة الرى فى مصر، من خلال تطهير قنوات الرى وصيانة محطات الرفع، ووصول مياه الرى إلى جميع الأراضى الزراعية، وهذه هى مهمة وزارة الرى الأولى، وكذلك تنظيم استخدام المياه الجوفية فى الدلتا للحفاظ على نوعية المياه، عن طريق الحد من الاستخدام الجائر لهذا الخزان، وتحسين كفاءة استخدام المياه فى الزراعة التى تستهلك 85% من موارد مصر المائية". من جهته، أكد الدكتور صفوت عبد الدايم، الأستاذ بالمركز القومي للمياه، مستشار وزير الري، أن ما "يقوم به بعض الأهالي من خلط مياه الصرف بالمياه الجوفية يعد كارثة قومية بكل المقاييس، ولابد من التصدي له". وأضاف: "يجب على الأهالي التوقف فورًا عن مثل هذه الأمور التي من شأنها تحويل المجتمع لمستشفى عام مليء بالأمراض الفتّاكة التي ليس لها علاج"، مطالبًا الدولة بسرعة التحرك والتفتيش للحد من هذه الظاهرة المخيفة والجريمة المجتمعية الخطيرة. وأوضح أنه "على الأهالي والعمد ومشايخ البلاد والنواب البرلمانيين عمل حملات توعية وتحذير الأهالي قبل أن تحل الكارثة على الجميع". من ناحيته، قال حسن العطيفي، وكيل أول وزارة الري والموارد المائية، إن هذه الظاهرة مفزعة، ويجب التصدي لها على أكثر من شق: شق توعوي، وذلك من خلال الأهالي أنفسهم الذين يجب أن يتوقفوا فورًا عن حفر أي مواسير أعماق من شأنها خلط مياه الصرف بالمياه الجوفية؛ مما يهدد حياة ملايين البشر. إلى جانب دور الدولة فى سرعة التصدي لهذا الأمر، وذلك بتجريم هذا الفعل المشين، والتفتيش الدوري لشركات المياه ووزارة الري؛ لمنع انتشار هذه الظاهرة الخطيرة". الأضرار الناتجة عن تناول الإنسان للغذاء المروى بمياه مخلوطة بصرف صحى من ناحيتها، وصفت الدكتورة فاطمة الزهراء على عبد العال، رئيس بحوث بمركز بحوث تكنولوجيا الأغذية بالإسكندرية، اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الري أو مياه الشرب أو المزارع السمكية بأنه "مصيبة كبرى، وخطر لا يهدد أهل الريف فقط بل يهدد كل من تناول الخضراوات والفاكهة المروية بمياه الصرف الصحي، وكذلك الأسماك الموجودة في مزارع سمكية مختلطة بنسبة كبيرة من مياه الصرف الصحي". وأشارت إلى أن "من أخطر مياه الصرف الصحي هي مياه المجاري، وتشمل المواد العضوية السائلة الناتجة من صرف المنازل من الحمامات والمطابخ، والتي تشمل على أعداد هائلة من الكائنات الحية الدقيقة من الميكروبات من البكتريا والفطريات، إضافة إلى الطفيليات". في هذا الصدد، حذرت من "مخاطر كارثية جراء تناول الإنسان الخضار والفاكهة المروية بمياه المجاري، حيث تقوم بعض النباتات بتخزين نسبة عالية منه في أنسجتها وخصوصًا الكرنب والفجل والخيار، وكذلك الخضراوات الورقية مثل السبانخ والخس والبقدونس والكرفس، إضافة إلى أن المواد العضوية تجعل طعمها سيئًا ورائحتها كريهة، وإن لم تكن كذلك، فهي مليئة بالملايين من البكتيريا الضارة مثل بكتيريا تسمى (السالمونيلا)، وهذه الأنواع تفرز سمومًا بكتيرية؛ تسبب التيفود وحالات تسمم وبكتيريا القولون التي تسبب النزلات المعوية والإسهال". وأشارت إلى أن "الأمر لا يقتصر على مجرد الإصابة إسهال وارتفاع درجة الحرارة عند انتقال الجراثيم إليها، ولكن هذه الجراثيم والفطريات تفرز سمومًا بكتيرية وسمومًا فطرية؛ تسبب أمراض السرطان في الكبد والجهاز البولي والتناسلي والتنفسي وذلك في حالة الاستمرار في تناول هذا الغذاء لعدة سنوات، حيث إن السموم الفطرية التي تسببها الفطريات تختزن في جسم الإنسان، ولها تأثير تراكمي، وتتسبب في الأضرار والأورام السرطانية عندما تزداد نسبتها في جسم الإنسان بمرور العمر، إضافة إلى وجود نسبة كبيرة من بويضات الطفيليات مثل البلهارسيا والإنكلستوما، ومن المعروف أن الأضرار التي تصيب الأطفال وكبار السن والحوامل وأصحاب أمراض نقص المناعة أشد وطأة لقلة مناعتهم، وتقل أو تختفي عند الشباب". وعن كيفية تفادي هذه الأخطار، شددت على "ضرورة أن يهتم المواطن جيدًا بمصدر المياه التي يتناولها سواء للشرب أو غسل الفم واليدين، وإذا كان لديه شك فيتم غلي المياه وغسل الخضراوات والفاكهة، عن طريق وضعها في الماء النظيف ويضاف إليه مطهر، ولا يكتفي بهذا فلابد من استعمال فرشاة خاصة لغسل الخضار والفاكهة جيدًا، حيث إن المطهر وحده لا يقتل بويضات الطفيليات الملتصقة بها، وغسلها تحت تيار ماء نظيف مع استعمال الفرشاة أيضًا". كما دعت إلى ضرورة إيلاء المشكلة اهتمامًا أكبر من جانب المسئولين والمقيمين على صحة المواطنين عبر إمداد القرى التي بشبكات صرف صحي متكاملة، لفصلها عن مياه الشرب، ومعالجة مياه الصرف الصحي، لأن عملية المعالجة مكلفة للغاية لذلك يفضل فصلها عن مياه الشرب. شاهد الصور..