والله ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه, ولا أريد أن أنافقكم ولا أن أنافق نفسى بتزيين الخطأ. كما لا أريد مطلقا أن أضايقكم, ولا أن أضايق نفسي, ولكن أحيانا يكون صلاح النفس بمخالفتها ومضايقتها ومحاصرتها ومواجهتها بحقائق هى ترفضها وتعارضها, لكن أين السبيل و – على رأى متاهة الشاعر- قل لى إلى أين المسير / فى ظلمة الدرب العسير؟.. فالحقيقة المرة أننا نعيش فى حجرات مغلقة مظلمة, بالكاد لا نرى إلا أنفسنا كما لا نعرف أنفسنا, قال نزار قبانى كلاما أقام عليه الدنيا وصب عليه اللعنات, ولكنه أصاب الحقيقة وكأنه ينظر الآن إذ يقول: "السرُّ فى مأساتنا / صراخنا أضخمُ من أصواتنا / وسيفُنا أطولُ من قاماتنا // خمسةُ آلافِ سنة / ونحنُ فى السردابْ.... // يا أصدقائي: جرّبوا أن تقرأوا كتابْ..// أن تكتبوا كتابْ / أن تزرعوا الحروفَ، والرُّمانَ، والأعنابْ / أن تبحروا إلى بلادِ الثلجِ والضبابْ // فالناسُ يجهلونكم.. فى خارجِ السردابْ / الناسُ يحسبونكم نوعاً من الذئابْ...". جربوا أن تكتبوا كتابا, وتعال يا صديقى الغاضب مثلى وقل لي: ما آخر كتاب تم تأليفه عن السيرة النبوية يمكن أن نتوجه به للغرب, فضلا عن أن نتوجه به لأنفسنا؟ فظنى أنه منذ فقه السيرة للغزالى والرحيق المختوم منذ ثلاثين عاما لم يتم تأليف كتاب منفرد مختصر جامع فى كل السيرة, وإن كنت جاهلا فنورونى. ربما يكون هناك كتب تناولت دراسات أو نظرات هنا وهناك, لكن ماذا قدمنا على مدى ثلاثين عاما؟ طيب ماذا أنتجنا من أفلام تتحدث عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كاملة وبلغات مختلفة؟ الناس يعرفوننا من خلال إعلام المغضوب عليهم وتفاهات الضالين, ونحن نسير وراءهم مغيبين مخدرين هانئين مطمئنين, ثم غاضبين لو أساءوا, غاضبين بمخالفة سنته ومحاصرة السفراء. لقد صدعنا المنظرون وأصحاب البرامج الدعوية ال(مودرن) بكلام ابن عم حديت عن الوصول إلى الغرب وتعريفهم بالرسول, وغاية المجهود رحلة تسوق إلى الدنمارك, والفعل ظل كلمة لم يتحول فعلا لحركة. ولم ينتج ثمارا تقول إن تربة أرضنا ملؤها الإخلاص. وما أذكره ليس جلدا محضا للذات, فهناك جهود محترمة لكنها تظل جهودا فردية كقناة الهدى الناطقة بلغات أجنبية. لو وجدت وأمثالها دعما ماليا مخلصا, ولو رأينا عشرات الأفكار المشابهة التى تخاطب الآخر بلغته وبمنطقه, فربما وقتها نطمئن ونحن نذكر أنفسنا بأننا خير أمة قد أخرجت للناس. محمد موافي [email protected]