العنف ضد السفارات الأمريكية احتجاجًا على الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم جاء لصالح العناصر المتطرفة التى أنتجته فى الولاياتالمتحدة، فقد حول الأنظار إلى غضب عالمى على مقتل السفير الأمريكى وثلاثة آخرين فى مقر القنصلية ببنغازي. العالم الذى تابع الصورة البشعة لجثة السفير أثناء سحبها نسى تمامًا الغضب المشروع على الإساءة للرسول، وتحول إلى ذلك المشهد المأساوي.. وبدلاً من مكاسب إيجابية حازتها الصورة النمطية للإسلام فى الغرب، سحبت هذه الهجمة المرتدة السريعة الكثير منها وحولتها إلى خسائر. المشكلة أن استثمارًا سياسيًا جرى لعواطف الغاضبين البريئة، وأكثر هذا الاستثمار جرى فى القاهرة التى يحكمها التيار الإسلامى أو بالأحرى "الإخوان المسلمون".. فهم الذين دعوا إلى التظاهر.. وبناءً على دعواتهم تجمع الشباب الغاضب، فاختلط بهم غوغاء وشت بهم كاميرات الفضائيات..تقريبًا هم أنفسهم أو وجوه شبيهة بالتى رأيناها فى مظاهرات حجارة سابقة ضد وزارة الداخلية فى شارع محمد محمود، وفى شارع مجلس الوزراء، وفى حريق المتحف العلمي. لم تلبث أن شاركت صنعاء فى المشهد لتكون ثالث عواصم الربيع العربى التى تقتحم السفارات الأمريكية. حصيلة ذلك كله أن النقمة على الفيلم والغضب واللعنات التى صبت على منتجى الفيلم المتطرفين انتهت بالطريقة التى أراحتهم تمامًا وربما لم يحلموا بها أثناء دعايتهم له. وزاد الطين بلة قيام صاحب قناة فضائية دينية بإحراق الإنجيل خلال التظاهرات التى شهدتها منطقة السفارة الأمريكية فى القاهرة، وهو تكرار لما فعله القس الأمريكى تيرى جونز وقبطى المهجر موريس صادق بإحراق نسخة من القرآن الكريم. ولا أدرى ماذا يستفيد الإسلام من حرق الإنجيل، ولماذا ينزل مثقفون إسلاميون كبار إلى الحد الذى يسقط قضية مشروعة وأساسية ويحولها إلى النقيض تماما.. ما فعله جونز وموريس عمل سافل ووضيع، فلماذا نتهاوى إليه بنفس الأسلوب فى التعامل مع مقدسات الآخرين.. هل هذا ما أمرنا به الإسلام؟! جر مصر إلى حرب دينية هو الهدف الأكبر للفيلم المسيء ولتهجمات جونز وموريس ومن معهما، وطبعا المخرج الإسرائيلى المختفى الذى قام بإخراجه، والمائة الذين قاموا بالاشتراك فى تمويله وكلهم من اللوبى الصهيوني. إحراق الإنجيل يعبر بهؤلاء عتبة عالية نحو تنفيذ مخططهم، وهى الغلطة المريرة التى وقع فيها صاحب القناة الفضائية الدينية التى لا تبث على النايل سات وإنما على قمر يجرى فى نفس مداره. على الإخوان المسلمين أن يفهموا أن حركتهم تحكم أكبر دولة عربية حاليًا، ومن ثم فلا يجب أن يسعوا لاستثارة الشارع والدعوة للمظاهرات أمام مقرات البعثات الدبلوماسية التى يجب أن تكون حكومتهم مسئولة عن أمنها. لماذا غاب عنهم أنهم أصحاب قرار، ومن ثم فمكانهم القصر حيث تصنع القرارات وليس الشارع حيث يختلط الحابل بالنابل.. حالهم وهم يدعون للمظاهرات التى تحولت أمس إلى عنف ضد الشرطة وكبدت البورصة خسائر كبيرة وأهدرت عودة السياحة التى لاحت فى الأفق القريب، يذكرنى بالقذافى عندما كان يحمله المتظاهرون على الأعناق ليهتف ضد قرارات حكومته.. لقد كان فى آن هو الحكومة والزعيم والمتظاهر! [email protected]