نوقشت مؤخراً بكلية الآداب جامعة المنيا رسالة ماجستير بعنوان "الأوضاع السياسية الداخلية في الولاياتالمتحدةالأمريكية عهد جورج واشنطن 1789-1797" التي قامت بإعدادها الباحثة دعاء رمضان راتب محمود، بإشراف الأستاذ الدكتور رجب عبدالمولى ، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، وعميد كلية الآداب جامعة المنيا.. وقام بمناقشة الباحثة الأستاذ الدكتور محمد خيري طلعت أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة المنيا، والأستاذ الدكتور أحمد عبدالدايم، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، في كلية الدراسات الإفريقية جامعة القاهرة. في البداية أشادت اللجنة المشكلَّة بالباحثة، ودقتها في رسالتها وحجم الجهد المبذول فيها، ولغتها وترتيب فصولها ودقة النتائج التي توصلت إليها. وتكمن أهمية الدراسة التي نحن بصدد استعراضها، في أنها تسلط الضوء على الأوضاع السياسية الداخلية في الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال عهد جورج واشنطن "1789- 1797", ففي خلال هذه الفترة إستطاع جورج واشنطن وأعضاء حكومته إرساء قواعد الدولة الأمريكية الحديثة، هذا الرجل رغم ما قيل عنه من مساويء، إلا أنه حفر اسمه في سجل التاريخ، فهو لم يفعل مثل معاصره نابليون الذي طمع في السلطة وتخلى عن الثورية ونصب نفسه امبراطوراً، وسرعان ما انهارات دولته وتبددت أحلامه بعد بضع سنوات، ونال الهزيمة المروعة في معركة واترلو، واختتمت حياته بمأساة، وكان جورج واشنطن -على العكس من ذلك-، فقد رضى بالنظام الجمهوري الذي يؤمن بتبادل السلطة وتداولها. وقد شهدت هذه المرحلة التى تلت إستقلال الولاياتالأمريكية حالة من الفوضي كادت أن تؤدي إلى حرب أهلية, وأصبح الجميع في أمريكا يدرك خطورة الوضع, واستقر الرأي على ضرورة وضع دستور جديد وكذلك اِنتخاب رئيساً للجمهورية الأمريكية الجديدة. وتم اِنتخاب جورج واشنطن لقيادة الأمة الأمريكية عام 1789. تولي واشنطن الحكم كأول رئيس منتخب, وقدم رؤية ثابتة وواضحة للدولة خلال فترتي رئاسته مهدت لوجود دولة موحدة وقوية خلال فترة وجيزة. وتذكر الباحثة أن "جورج واشنطن" استطاع واشنطن خلال رئاسته لأمريكا اجتاز العديد من التحديات والصعوبات التى واجهت الدولة الناشئة، ومنها: إنقسام الآراء بين "توماس جيفرسون"، و"الكسندر هاملتون" حول سلطات الحكومة "الفدرالية" وتفسير النصوص الدستورية, الأمر الذي ترتب عليه قيام الأحزاب السياسية فى الجمهورية الناشئة؛ وهما الحزب الفيدرالي والحزب الجمهوري. كما كان على واشنطن معالجة الاِضطرابات الاقتصادية الناتجة عن حرب الاستقلال, والبدء في تأسيس نظام اقتصادي قوى وثابت للدولة, وتم إسناد هذه المهمة إلى الكسندر هاملتون بصفته وزير الخزانة، كما واجه واشنطن خلال رئاسته تحدي خطير تمثل في تمرد الويسكي, ولم يكن تحدي لواشنطن فقط بل تحدى لكيان الدولة واستقرارها, فقد كان من الممكن أن يغير هذا التمرد مستقبل الدولة الأمريكية في نشأتها. ومن القضايا الهامة التى تعاملت معها حكومة واشنطن، قضية الهنود الحمر ووضعهم في الدولة الجديدة, وصراع المستوطنين الأمريكيين مع قبائل الهنود المختلفة حول الحدود، وكان موقف واشنطن من الهنود خلال رئاسته متغير بين اللجوء إلى السلام مع بعض القبائل, ومحاربة البعض الآخر والاِستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم. ويمكن القول أن خلال تولى واشنطن رئاسة الدولة في الفترة من عام 1789 إلى 1797 تمكن من إجتياز هذه التحديات والحفاظ على استقرار الدولة, بل ونال تأييد ودعم معظم الأمريكيين وثقتهم خلال رئاسته وهو أمر لم يتكرر كثيراً مع ممن تولى بعده. وحددت الباحثة اختيارهالهذا الموضوع لعدة أسباب: منها الرغبة في دراسة مرحلة هامة في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية, حيث شهدت إرساء نظم وقواعد الدولة, ورسم سياستها الداخلية. التعرف على نموذج ناجح لبناء وتأسيس دولة حديثة إستطاعت خلال سنوات أن تلعب دوراً هاماً على الساحة السياسية العالمية. قلة الدراسات التى تتناول المرحلة الأولى في تاريخ الولاياتالمتحدة الحديث, ومن هذا المنطلق جاءت الرغبة في دراسة هذا الموضوع وهو بعنوان "الأوضاع السياسية الداخلية في الولاياتالمتحدةالأمريكية عهد جورج واشنطن 1789-1797م", وإضافة رسالة علمية للمكتبة التاريخية العربية. وقد قسمت الباحثة دراستهاإلى تمهيد وأربعة فصول, بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة, وقائمة بالملاحق, وقائمة المصادر والمراجع على النحو الأتى: وفي التمهيد تناولت الباحثة التطورات السياسية للولايات المتحدةالأمريكية عقب حرب الإستقلال, حيث تناول معاهدة باريس عام 1783 التي أنهت الحرب بين الأمريكيين وبريطانيا العظمى, والتى أعترفت بموجبها بريطانيا باِستقلال الولايات الثلاث عشرة الأمريكية, تحت اسم الولاياتالمتحدةالأمريكية, وأصبحت تحدها شمالاً كندا والبحيرات العظمى, وشرقا المحيط الأطلسي, وغربا نهر المسيسبي, وجنوبا فلوريدا. ثم تعرضت للمشكلات التى ظهرت بعد الحرب، وكشفت عن عيوب خطيرة في مواد الاتحاد الكونفدرالي، فالكونجرس القارى كان عاجزاً عن القيام بدوره وجمع الضرائب، ولم يستطع عقد أي معاهدات تجارية مع الدول الآخري مما تسبب في مشاكل مالية كبيرة. بالإضافة إلى الصراع بين الولايات بسبب التوسع نحو الأراضي الغربية, والإضطرابات التي وقعت في ولاية "ماساتشوستس" طوال فصلي الخريف والشتاء في عام 1786, كل هذا عزز من مخاوف الأمريكيين من إنهيار الأمة، وتزايد القلق إزاء عدم فعالية الحكومة الكونفيدرالية، لا سيما في مسائل التمويل والتنظيم التجاري، وأدي هذا في النهاية إلى عقد "المؤتمر الدستوري" في عام 1787 لوضع دستور جديد للأمة، وتم الإتفاق على النظام الفدرالى وتحديد صلاحيات كل من الحكومة المركزية وحكومات الولايات, والفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية ولتشريعية والقضائية, وتحديد مهام الرئيس وسلطاته. أما في الفصل الأول الذي جاء تحت عنوان "الأوضاع السياسية الداخلية خلال ولاية جورج واشنطن الأولي (1789-1792)", فقد تناولت الباحثة عملية اِنتخاب أول رئيس للجهورية الأمريكية والتى أسفرت عن فوز جورج واشنطن وتنصيبه رئيساً للدولة في أبريل عام 1789 بالإجماع, ثم تكوين الحكومة فيدرالية وإنشاء الإدارات المختلفة, إصدار مرسوم القضاء عام 1789 لتنظيم السلطة القضائية, والبدء في إنشاء عاصمة جديدة للدولة. كما تناولت بالشرح والتحليل وثيقة الحقوق الصادرة عام 1791 لضمان الحقوق والحريات الخاصة بالأفراد،وبرنامجالكسندر هاملتونالاقتصادي والذي تمثل في سداد الدين العام, إيجاد مصادر تمويل للحكومة, إنشاء بنك وطني وضبط العملة والأوزان, الأهتمام بعملية التصنيع لتوفيراِحتياجاتالدولة خصوصاالعسكرية والاستغناء عن الحاجة للدول الأوروبية,الاهتمام بطرقالملاحةوحمايةالصناعات المحلية من أجل تحقيق النمو الاقتصادي للدولة لكي تصبح في مصاف الدول الأوروربية الكبيرة.
فيما جاء الفصل الثاني بعنوان "الأوضاع السياسية الداخلية خلال ولاية جورج واشنطن الثانية (1793-1797)" تناول الفصل الصراع بين "الكسندر هاملتون"، و"توماس جيفرسون" حول شكل وسلطات الحكومة المركزية ورؤيتهما الخاصة بالدستور وتفسيراته, وهو الصراع الذي نتج عنه ظهور الأحزاب السياسية في الدولة وهما الحزب الفيدرالي المؤيد والداعم لرؤية هاملتون, والحزب الجمهوري الذي أسسه جيفرسون وأتباعه، كما تناول أيضاً التوسع الأمريكي نحو الغرب, والصعوبات التى واجهت الحكومة الفيدرالية في محاولة ضبط هذه العملية. كذلك قضية الرق في الجمهورية الناشئة وموقف الرئيس جورج واشنطن منها والتعامل معها, والقوانين الخاصة بتنظيم تجارة الرقيق. وفي الفصل الثالثالذي جاء تحت عنوان "تمرد الويسكى وأثره على الأوضاع السياسية في أمريكا", فقد تناولت الباحثة صدور قانون الضرائب على الويسكي عام 1791, والتحرك السلمي من جانب المعارضين لهذا القانون لمقاومة الضريبة, واِجتماع "بيتسبرج"، وبداية اِستخدام العنف ضد جامعي الضرائب, وموقف الحكومة من الاِحتجاجات العنيفة, ووقوع معركة "باور هيل" بين المتمردين و"جون نيفيل" المفتش على الضرائب. كما تناول موقف الجمعيات الديمقراطية من هذه الأحداث ودورها في التمرد, والإستيلاء على رسائل بريد "بيتسبرج" من قبل المتمردين, والتجمع العسكري في ميدان "برادوك". ثم تعرضت الباحثةلمفاوضات الحكومة مع قادة التمرد, والمشاورات الحكومية حول استدعاء الميليشيات, وأيضا اِجتماع المندوبين في عبارة "باركينسون" والتنائج التى ترتبت عليه, والتى تمثلت في دعوة الجيش للتدخل العسكرى من أجل للقضاء على التمرد بعد فشل المفاوضات, والقبض على بعض قادة التمرد وهروب الأخرين, وأثر التمرد على الأوضاع السياسية الأمريكية. بينما جاء الفصل الرابع بعنوان "موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية من الهنود الحمر", حيث تناول أصل السكان الأصليين وسبب تسميتهم بالهنود الحمر, وأماكن تمركزهم،وأشهر القبائل الهندية في الولاياتالمتحدة, وموقف القبائل الهندية من حرب الاستقلال ومابعدها، ثم تناولت صراع الدولة مع هنود المناطق الغربية, وإصدار قانون تنظيم التجارة مع الهنود, حملة اللواء"يوشا هارمر" عام 1790, وأيضا حملة "آرثر سانت كلير" حاكم الأقليم الشمالى الغربي عام 1791, وحملة "أنتوني واين" خلال عامي 1793- 1794, ومعاهدة جرينفيل عام 1795, وإنشاء إقليم الجنوب الغربي وتعيين حاكم له، كما تناولت أيضاً معاهدات الحكومة الأمريكية مع قبائل "الشيروكي", حيث عقدت معهم معاهدة "هولستون" عام 1791, معاهدة "فيلادلفيا" عام 1792, الحرب بين" تشيكاموجاس" والقوات الأمريكية, ومعاهدة عام 1794، وتناولت أيضاً علاقة الحكومة الأمريكية مع قبائل "الايروكواز". ثم ختمت رسالتها بالتوصيات والخاتمة وثبت بالمصادر والمراجع. وفي النهاية نقرر أن الرسالة جهد مشكور من الباحثة، ونتمنى أن نراها في القريب مطبوعة ومتاحة للباحثين والقراء، ونتمنى لها أن تمد المكتبة بأبحاث على شاكلة بحثها هذا.