عن صفية بنت حيى بن أخطب رضوان الله عليها، أنها قالت: كنت أحَبَّ ولد أبى إليه، وإلى عمى أبى ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذانى دونه. قالت: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء فى بنى عمرو بن عوف غدا عليه أبى؛ حيى بن أخطب، وعمى أبو ياسر بن أخطب مُغَلِّسِين. قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس. قالت: فأتيا كَالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهُوَيْنَى. قالت: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إلىَّ واحد منهما، مع ما بهما من الغم. قالت: وسمعت عمى أبا ياسر، وهو يقول لأبى حيى بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله. قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما فى نفسك منه؟. قال: عداوته والله ما بقيت. [الرحيق المختوم] موقف شاذ ومعتاد من يهود ذكرته كتب السيرة. يرسل لنا رسالتين مهمتين. طبيعة يهود: الأولى تبين طبيعة يهود، وموقف زعمائهم منه صلى الله عليه وسلم. وكيف عاندوه وغدروا به، وخالفوا الحق الذى يعرفونه؟! كما هو عهدهم: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً". [النمل14] ولهذا نردد أن يهدينا الله الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم من يهود الذين عرفوا الحق وجحدوه، أو الضالين من النصارى الذى جهلوا الحق فعاندوه. حزب (عداوته والله ما بقيت): أما الثانية؛ وهى الأخطر والتى نستشفها من خلال رؤية تربوية للمغزى العام للموقف؛ فيفسر لنا تلك المواقف المتكررة التى نراها فى كل زمان ومكان؛ وهى الصور (الأخطبية) التى تنافس موقف ابن أخطب! وإذا كانت هناك طائفة مجتمعية سلبية يسمونها (الأغلبية الصامتة) أو (حزب الكنبة)، فهنا حزب جديد له جذور تاريخية عدائية ضد كل من يحافظ على هوية الأمة الإسلامية؛ وهو حزب (عداوته ما بقيت). ولقد انفضحت صور هذا الحزب، أفراداً وجماعات خلال تداعيات ثورات الربيع العربى خاصة ثورة 25 يناير. والتى منها: 1-عاشقو الزعامة: وهم بعض مرشحى الرئاسة الذين لم يحالفهم الحظ. وقد ابتلوا بداء حب فلاشات الكاميرات وحمى التصريحات ولوثة الهتافات وجنون (البوسترات) وأبوا أن يعترفوا بهزيمتهم ونسوا تصريحاتهم الدبلومسية بأنهم سيقبلون نتائج الصناديق، وأنهم يحترمون الآخر؛ ولكنهم تحولوا إلى مُسَعّرى حروب الفضائيات، لم يطيقوا رؤية الرئيس المنتخب لتوجهه الإسلامي. فهم يذكروننا بالصورة الكاريكاتورية (عبدة مشتاق). 2- إعلاميون حسب الطلب: وهم الذين تراهم يتعاملون بأكثر من مكيال مع الآخرين؛ بل وحسب قيمة الفاتورة، فيرحبون بكل ما هو ليبرالى أو علمانى ويطبلون له ويلمعونه، ثم يتعاملون بالعكس مع كل من يحمل رائحة إسلامية. 3-ساسة.. من حزب قتلة عثمان: ولقد كشفناهم فى مقال (قتلة عثمان فى شارعنا السياسى)، فنجدهم يتحركون بدوافع نفسية أعلنها قاتل عثمان رضى الله عنه (عمرو بن الحمق)؛ عندما (وثب على صدره وبه رمق؛ فطعنه تسع طعنات؛ قال: فأما ثلاث منها؛ فإنى طعنتهن إياه لله تعالى، وأما ست فلما كان فى صدرى عليه). [تاريخ الطبرى]. والطعنات قد تكون فكرية أو سياسية. والعدد يختلف أيضاً؛ فقد يكون أكثر من تسع، والثلاثة التى لله أو لمستقبل مصر قد تتحول إلى لا شىء؛ والست التى لما فى الصدر قد تزيد لتكون كلها لما فى الصدر. 4-مفكرون.. من حزب "أنا لك بالمرصاد": وهم الذين يطاردوننا من فضائية إلى أخرى ومن دكان (توك شو) إلى آخر، وتعرفهم من خلال هذه الاختبارات: (1) اذكر الله أو أسلك سلوكاً إسلامياً: فتراهم يغضبون ويتشنجون؛ مثل تلك التى حزنت عندما رأت رئيسنا المنتخب يصلى بالمسجد، والأخرى التى أغضبها أنها رأته يسبح على أنامله، وآخرون رفضوا ترشيح أحد المستقلين فى لجنة الدستور لوجود علامة صلاة على جبينه. تماماً: "وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ". [الزمر45] (2) أشركهم فى منصب أو لقاء، ثم حاول أن تتجاهلهم مرة واحدة: فتجدهم يفرحون عندما تبرزهم ويغضبون إذا نزعتهم الصدارة. حقاًً: "وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ". [النور49] (3) كلماتهم تفضح دبلوماسياتهم، فمهما تلونوا وادعوا قبول الآخر، ولكن سقطات ألسنتهم تفضحهم. هكذا: "وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ". [محمد30] شىء فى صدرى: عن على رضى الله عنه عندما سار مع يهودى؛ ثم فاجأه: بماذا كانت تحدثك؟ فأنكر اليهودى كشف حقده وغله الدفين؛ فصمم على كرم الله وجهه قائلاً: والله لقد حدثنا صلى الله عليه وسلم ونحن نصدقه أنه ما رافق يهودى مسلماً إلا وحدثته نفسه بسوء. فقال اليهودى: والله لقد صدق؛ فأنا أريد بك سوءًا؛ ولكننى لا أستطيع تنفيذه؛ فلم أتمكن إلا أن أبصق على ظلك. E-Mail: [email protected]