فى مقالات عديدة سابقة جعلت من قلمى عينًا ترصد عن قرب تحركات الرئيس وموقفه من التنمية بكل مكوناتها، ليس اصطيادًا للأخطاء وإنما لفتًا لأنظاره نحو مواطن الخلل فى أداء مؤسسته المنتخبة. ولا أنكر على الرئيس جرأته فى اتخاذ قراراته التى أذهلت الكثير ممن تعاملوا مع مظهره الطيب وتجاهلوا باطنه المغبون لأكثر من أربعين عامًا، كان يبحث فيها عن حقه فى حرية التعبير والتدين. ورغم حاسمية قراراته؛ بيد أنه لم يُوَفًقُ فى بعض منها، ولاسيما فيما يتعلق بتشكيل حكومته وفريق مؤسسته الرئاسية التى خلت تمامًا من أصحاب الرؤى الاقتصادية والتنموية، واعتمد فى اختياراته على المعرفة المسبقة والارتياح النفسى، متحصنًا بثقافة رد الجميل والعيش والملح؛ التى جعلت مكافئة الشغالة فى انتخابات الرئاسة واجب أخلاقى ومعيار أوحد لشغل الوظائف القيادية، متجاهلاً معيار الكفاءة فى اختياراته لكافة التشكيلات السياسية والتنفيذية؛ الأمر الذى أثار مخاوفنا على مستقبل الوطن وحصاده الثورى. وما يُحمَد للرئيس استجاباته الفورية للنقد والتوجيه، وحرصه الأشد على التطهير، مسارعًا فى ذلك الزمن ومتحديًا كل دواعى الفشل والإحباط. فقد أسعدتنى حقاً استجابته لما طالبت به فى مقالاتى السابقة من ضرورة هيكلة هيئة الرقابة الإدارية وتعيين أفرادها من المدنيين، وتحويل الأعضاء الحاليين فى الهيئة للتحقيق بتهمة التستر والاشتراك فى كافة عمليات الفساد والنهب المنظم للمال العام فى عهد مبارك، على مرأى ومسمع ومباركة من أعضاء الرقابة الإدارية الذين جاءوا من خلفيات عسكرية وشرطية، بالمخالفة لقانون 54لسنة64 والذى اشترط فى اختيار أعضاء الرقابة أن يكونوا من الخبراء الماليين والإداريين ذوى الكفاءة من كافة قطاعات الدولة. ولما كان تعيين العسكر والشرطة فى الرقابة الإدارية مخالفًا للقانون والمنطق، وتبديلهم بأهل الخبرة مطلبًا للكفاءة والشفافية؛ فإننى أبارك قرار الرئيس بتعيين عمرو هيبة رئيسًا لهيئة الرقابة الإدارية وأدعوه لسرعة التخلص من كافة العناصر الشرطية والعسكرية وإبدالهم بخبراء مدنين؛ ضمانًا لتوافر عنصرى الكفاءة وعدم التحيز للنظام. واستكمالاً لرياح التغيير والتطهير التى هبَت مع قرارات الرئيس أطالب بسرعة خلخلة ولخلخة قيادات الوظائف الوسطية بكل قطاعات الدولة ولاسيما القطاعات الخدمية، وأعنى بهاء وكلاء الوزارات الذين يمثلون الدولة العميقة ومارسوا أعمالهم سنوات طويلة وفق نظام ترسخت مبادئه فى ضمائرهم الميتة قبل عقولهم المغيبة، وأقصد بالخلخلة إعادة التوزيع والتبديل لوكلاء الوزارات كى يستشعر المواطن العادى فورًا احتكاكه بالمؤسسات الحكومية بنسائم الثورة ورياح التغيير. فالإطاحة برؤوس الوزارات والرموز لا يستشعر بها المواطن العادى قدر اهتمامه بتغيير المسئولين المباشرين بمحافظته والذين اعتادوا على الإفساد فى تعاملهم مع كل محتك بمؤسساتهم، مثل وكلاء وزارة التضامن والصحة والتعليم والزراعة والكهرباء والتموين وغيرها. فتغير وكلاء الوزارات ومدراء العموم يعد خطوة لإشعار المواطن بحصاد ثورته. كما اقترح على الرئيس طريقة لاختيار المحافظين من خلال تشكيل لجنة من أساتذة الجامعات وخبراء التنمية لوضع معايير أساسية لاختيار المحافظين مع الاحتفاظ بخصوصية كل محافظة، وبعد الإعلان عن المحافظات الشاغرة تقوم اللجنة نفسها باستلام السير الذاتية للمتقدمين وفرزها لانتقاء أفضل خمس شخصيات لكل محافظة وترشيحها لمقابلة لجنة الاختيار والتوظيف، المشكلة من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء المعنيين وممثلين عن مجلس الشعب والشورى والجهات الأمنية والرقابية وخبير نفسى على كفاءة. وبذلك يكون الرئيس قد وسع نطاق اختياراته وكسر حوائط سلة المعارف والمقربين واستنهض للوطن قيادات جديدة بفكر جديد يلائم أهداف الثورة وأمالها، كفاءات خبأتها الوساطة والمحسوبية لسنوات عديدة أكلت من أجسادها قبل أن تأكل من أعمارها.. [email protected]